وقال «فخر الإسلام البزدوي» ـ ٤٨٢ ه : كانو ينقلون الحديث الواحد الذي جرى في مجلس واحد ، في واقعة معينة ، بألفاظ مختلفة ، مثل ما روي في حديث الأعرابي الذي بال في المسجد ، ودعا بعد الفراغ ، فقال : «اللهم ارحمني ومحمدا ، ولا ترحم بعدنا أحدا» أنه ـ عليهالسلام ـ قال : «لقد حجرت واسعا» (١) ، وروى : «لقد ضيقت واسعا» ، «لقد منعت واسعا. والإجماع منعقد على جواز شرح الشرع للعجم بلسانهم ، وإذا جاز إبدال العربية بالعجمية فلأن يجوز إبدالها بعربية أخرى أولى ، إذ التفاوت بين العربية وترجمتها بالعربية أقل مما بينها ، وبين العجمية. وسفراء رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كانوا يبلّغون أوامره ونواهيه ، إلى البلاد بلغاتهم ، ويعلّمونهم بألسنتهم (٢).
وقال «الخطيب» ويدل على ذلك : اتفاق الأمة على أن للعالم بمعنى خبر النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ، وللسامع بقوله أن ينقل معنى خبره بغير لفظه وغير اللغة العربية ، وأن الواجب على رسله وسفرائه إلى أهل اللغات المختلفة من العجم وغيرهم أن يرووا عنه ما سمعوه وحملوه ، مما أخبرهم به وتعبدهم بفعله على ألسنة رسله سيما إذا كان السفير يعرف اللغتين ، فإنه لا يجوز أن يكل ما يرويه إلى ترجمان ، وهو يعرف الخطاب بذلك اللسان ، لأنه لا يأمن الغلط ، وقصد التحريف على الترجمان ، فيجب أن يرويه بنفسه. وإذا ثبت ذلك صح أن القصد برواية خبره وأمره ونهيه إصابة معناه ، وامتثال موجبه ، دون إيراد نفس لفظه وصورته ، وعلى هذا الوجه لزم العجم وغيرهم من سائر الأمم دعوة الرسول إلى دينه ، والعلم بأحكامه ، ويدل على ذلك أنه إنما ينكر الكذب والتحريف على رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ، وتغيير معنى اللفظ ، فإذا سلم راوي الحديث على المعنى من ذلك كان مخبرا بالمعنى المقصود من اللفظ ، وصادقا على الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ، وبمثابة من أخبر عن كلام زيد وأمره
__________________
(١) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب الأدب ـ باب رحمة الناس بالبهائم) ٧ : ٧٧ وأخرج قريبا منه «ابن ماجه» في «سننه» في (كتاب الطهارة ـ باب الأرض يصيبها البول كيف تغسل) ١ : ١٧٦ ، و «الترمذي» في «سننه» في (كتاب الطهارة ـ باب ما جاء في البول يصيب الأرض) ١ : ٩٩.
(٢) «كشف الأسرار» ٣ : ٥٥.