وقد تعلّق من قال بهذا الاتجاه بعلّتين :
جواز الرواية بالمعنى.
ووقوع اللحن كثيرا في الأحاديث ، لأن كثيرا من الرواة كانوا غير عرب ، ولا يعلمون لسان العرب بصناعة النحو.
ونحن نحمّل مسؤولية هذا الرفض «أبا حيان» و «ابن الضائع» ؛ النقل بالمعنى إنما كان في الصدر الأول ، قبل تدوينه في الكتب ، وقبل فساد اللغة ، وغايته تبديل لفظ بلفظ ، يصح الاحتجاج به ، فلا فرق. وادعاء وقوع اللحن في الحديث النبوي باطل ؛ لأن ذلك يمكن أن يتخرج على وجه من الوجوه النّحوية الصحيحة ، أو يتخرج على لغة عربية غير مشهورة.
والقول بأن في رواة الحديث أعاجم قول لا يعتدّ به ؛ لأنّ ذلك يقال في رواة الشعر والنثر ، اللذين يحتج بهما ، فإن فيهم الكثير من الأعاجم ، وهل في وسعهم أن يذكروا لنا محدّثا ممن يعتد به أن يوضع في صف «حمّاد الراوية» الذي كان يكذب ، ويلحن ، ويكسر الشعر. (١) وروى «الكوفيون» أنّ حمّادا الراوية كان حفظ القرآن من المصحف ، فكان يصحّف نيّفا وثلاثين حرفا. (٢) ومع ذلك لم يتورع الكوفيون ، ومن نهج منهجهم عن الاحتجاج بمروياته. ولكنهم تحرجوا في الاحتجاج بالحديث النبوي.
ولم ترفّع النّحويّون عما ارتضاه اللغويون من الانتفاع بهذا الشأن ، والاستقاء من ينبوعه الفياض ، العذب الزلال ، فأصبح ربع اللغة به خصيبا بقدر ما صار ربع النحو جديبا؟!
ومن اطّلع على منهج المحدّثين في النقد ، وطريقتهم في التعديل ، ومبالغتهم في
__________________
(١) «مراتب النحويين» : ١١٨.
(٢) «شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف» : ١٢ ، و «حماد» هذا هو حماد بن سابور بن المبارك ، أبو القاسم (٩٥ ـ ١٥٥ ه) وانظر ترجمته في «الأعلام» ٢ : ٢٧١.