على هذا الوجه. ومثله قوله الآخر :
وأقري الهموم الطارقات حزامة |
إذا كثرت للطارقين الوساوس (١) |
وهو استعارة من جهة المفعولين فأما من جهة الفاعل فهو محتمل للحقيقة وذلك أن يقول : «أقرى الأضياف النازلين اللحم العبيط». وقد يكون الذي يعطيه الاستعارة أحد المفعولين دون الآخر كقول القطامي :
نقربهم لهذميّات نقدّ بها |
ما كان خاط عليهم كلّ زرّاد (٢) |
وقد أوضح المتأخرون ذلك وقالوا إنّ الأفعال دالة على حصول أحداث في أزمنة معينة ، فالفعل الصناعي دالّ على المصدر وعبارة عنه ، فالمصدر إن وقع فيه مجاز فالفعل تابع وإن تعذر وقوع المجاز في المصدر فالفعل أحق بالتعذر (٣).
الاستعارة في الحروف :
لا مدخل للمجاز في الحروف ؛ لأنّ وضعها على أنّها تدل على معان في غيرها فلا بدّ من اعتبار الغير في دلالتها. ثم ذلك الغير إن كانت صالحة للدخول عليه مثل «زيد في الدار» و «عمرو من الكرام» فهي حقيقة في استعمالها وإن كانت غير صالحة لما دخلت عليه مثل : «من حرف جر» و «لم حرف نفي» صارت مجازا ، لكنّ التجوز إنما كان من جهة تركيبها لا من جهة الافراد والمنع إنّما كان في حالة الافراد لا في التركيب (٤).
ويمكن أن تدخل الاستعارة في الحرف إذا كان مضمنا ، لأنه في هذه الحالة يخرج عن معناه الاصلي الذي وضع له. وقد تحدث النحاة عن ذلك في باب التضمين على سبيل التوسع والتجوّز ، وتكلم عليه البلاغيون في الاستعارة التبعية وقالوا في قوله تعالى :(فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً)(٥). إنه استعير في المشبه اللام الموضوع للمشبه به (٦).
الاستعارة القطعيّة :
وهي أن يكون المشبه المتروك متعيّن الحمل على ماله تحقق حسي أو عقلي أو على ما لا تحقق له البتة إلا في الوهم وهي الاحتمالية التي «يكون المشبه المتروك صالح الحمل على ما لا تحقق له» (٧).
وقد تحدث السكاكي عن لونين من هذه الاستعارة :
الأول : الاستعارة المصرح بها التحقيقية مع القطع ، قال : «هي اذا وجدت وصفا مشتركا بين ملزومين مختلفين في الحقيقة هو في أحدهما أقوى منه في الآخر وأنت تريد إلحاق الأضعف بالأقوى على وجه التسوية بينهما أن تدعي ملزوم الأضعف من جنس ملزوم الأقوى باطلاق اسمه عليه وسدّ طريق التشبيه بافراده في الذكر توصلا بذلك الى المطلوب لوجوب تساوي اللوازم عند تساوي ملزوماتها فاعلا ذلك في ضمن قرينة مانعة عن حمل المفرد بالذكر على ما يسبق منه الى الفهم كيلا يحمل عليه فيبطل الغرض التشبيهي بانيا دعواك على التأويل المذكور ليمكن التوفيق بين دلالة الافراد بالذكر وبين دلالة القرينة المتمانعتين ولتمتاز دعواك عن الدعوى الباطلة. مثال ذلك أن يكون عندك شجاع وأنت تريد أن تلحق جراءته وقوته بجراءة الأسد وقوته فتدعي الأسدية له
__________________
(١) قرى الضيف ؛ أضافه ، والقرى ما يقدم للضيف.
الحزامة ؛ ضبط الأمر وأحكامه.
(٢) اللهذميات ؛ السيوف القواطع. نقد ؛ نقطع.
الزراد ؛ صانع الزرد وهي الدروع.
(٣) الطراز ج ١ ص ٨٨ ، وينظر نهاية الايجاز ص ٨٨.
(٤) الطراز ج ١ ص ٨٨.
(٥) القصص ٨.
(٦) الايضاح ص ٢٩٩ ، التلخيص ص ٣١٥ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ١٢٠ ، المطول ص ٣٧٥ ، الاطول ج ٢ ص ١٤٠ ، معترك ج ١ ص ٢٨٠ ، الاتقان ج ٢ ص ٤٥.
(٧) مفتاح العلوم ص ١٧٦.