الاستعارة الموشّحة :
هي الاستعارة التّرشيحية والاستعارة المرشحة ، وهذه تسمية العلوي ولو لا أنّه شرح المصطلح لقيل إنّ في العبارة خطأ. فقد قسم الاستعارة الى مجرّدة وموشّحة وقال : «إذا استعير لفظ لمعنى آخر فليس يخلو الحال إمّا أن يذكر معه لازم المستعار له أو يذكر لازم المستعار نفسه. فإن كان الأوّل فهو التّجريد وإن كان الثاني فهو التّوشيح» (١). ثم قال : «فأمّا الاستعارة الموشّحة فإنّما سمّيت بهذا الاسم لأنك إذا قلت : «رأيت أسدا وافر الأظفار منكر الزئير دامي الأنياب» فقد ذكرت لازم اللفظ المستعار وذكرت خصائصه فوشّحت هذه الاستعارة وزيّنتها بما ذكرته من لوازمها وأحكامها الخاصّة ، أخذا لها من التّوشيح وهو ترصيع الجلد بالجواهر واللآلي تحمله المرأة من عاتقها الى كشحها وهذا هو الوشاح واشتقاق التّوشيح للاستعارة منه. ومثالها قوله تعالى : (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى)(٢) ثم قال على أثره : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) فلما استعار لفظ الشراء عقّبه بذكر لازمه وحكمه وهو الربح توشيحا للاستعارة ولو قال فهلكوا أو عموا وصمّوا عوض قوله :(فَما رَبِحَتْ) لكان تجريدا ولم يكن توشيحا ، ولو قال تعالى : فكساها (اللهُ لِباسَ الْجُوعِ) لكان توشيحا ، أو قال : فأذاقها الله طعم الجوع والخوف لكان توشيحا أيضا. ومن التوشيح قول كثيّر عزّة :
رمتني بسهم ريشه الكحل لم يضر |
ظواهر جلدي وهو في القلب جارح |
ومنه قوله :
تقري الرياح رياض الحزن مزهرة |
إذا سرى النوم في الأجفان أيقاظا |
فذكر السهم مع الريش والرياض مع الأزهار يكون توشيحا» (٣).
الاستعارة الوفاقيّة :
الاستعارة الوفاقية هي أن يكون اجتماع الطرفين في شيء ممكنا لما بينهما من الاتفاق ، كقوله تعالى :(أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ)(٤) ، أي : ضالا فهديناه ، استعير الاحياء من جعل الشيء حيا للهداية التي هي الدلالة على ما يوصل الى المطلوب والاحياء والهداية مما يمكن اجتماعهما في شيء (٥).
الاستعانة :
قال الجاحظ : «حدثني صديق لي قال : قلت للعتابي : ما البلاغة؟ قال كلّ من أفهمك حاجته من غير إعادة ولا حبسة ولا استعانة فهو يلبغ. فان أردت اللسان الذي يروق الألسنة ويفوق كل خطيب فاظهار ما غمض من الحق وتصوير الباطل في صرة الحق.
قال : فقلت : له : قد عرفت الاعادة والحبسة فما الاستعانة؟ قال : أما تراه إذا تحدث قال عند مقاطع كلامه يا هناه ، ويا هذا وياهيه ، واسمع مني ، واستمع اليّ ، وافهم عني ، أو لست تفهم؟ أو لست تعقل؟ فهذا كله وما أشبهه عيّ وفساد» (٦).
والاستعانة هنا بمعناها اللغوي أي ما يستعين به المتحدث أو الخطيب حينما يتوقف وهي أقرب الى الجملة الاعتراضية أو علامة التنبيه. وقد عرّفها المبرد بقوله : «أن يدخل في الكلام ما لا حاجة اليه ليصحح به
__________________
(١) الطراز ج ١ ص ٢٣٦.
(٢) البقرة ١٦.
(٣) الطراز ج ١ ص ٢٣٧ ـ ٢٣٨.
(٤) الانعام ١٢٢.
(٥) الايضاح ص ٢٨٩ ، التلخيص ٣٠٨ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٧٧ ، المطول ص ٣٦٤ ، الاطول ج ٢ ص ١٢٩ ، معترك ج ١ ص ٢٨٢ ، شرح عقود الجمان ص ٩٤ ، أنوار الربيع ج ١ ص ٢٤٧.
(٦) البيان والتبيين ج ١ ص ١١٣ ، وينظر زهر الآداب ج ١ ص ١١٥.