نظما أو وزنا إن كان في شعر أو ليتذكر ما بعده إن كان في كلام منثور كنحو ما تسمعه في كثير من كلام العامة مثل قولهم : ألست تسمع؟ أفهمت؟ أين أنت؟ وما أشبه هذا. وربما تشاغل العيي بفتل اصبعه ومسّ لحيته وغير ذلك من بدنه وربما تنحنح» (١). وهذا قريب مما ذكره العتّابي ونقله الجاحظ غير أنّ فيه زيادة وهي الحشو المتصل بوزن الشعر ، ومعنى ذلك أنّ الاستعانة تدلّ على الحشو أيضا. ولكن البلاغيين نقلوا هذا المصطلح الى معنى آخر فقال المصري : «الاستعانة أن يستعين الشاعر ببيت لغيره في شعره بعد أن يوطيء له توطئة لائقة به هنا بحيث لا يبعد ما بينه وبين أبياته وخصوصا أبيات التوطئة له. وقد شرط بعض النقاد التنبيه عليه إن لم يكن البيت مشهورا ، وبعضهم لم يشترط ذلك ، وهو الصحيح فان أكثر ما رأينا ذلك في أشعار الناس غير منبّه عليه.
وأما الناثر فان أتى في أثناء نثره ببيت لنفسه سمي ذلك تشهيرا وإن كان البيت لغيره سمي استعانة» (٢).
ومثال ذلك في الشعر قول الحارثي :
وقائلة والدّمع سكب مبادر |
وقد شرقت بالماء منها المحاجر |
|
وقد أبصرت حمّان من بعد أنسها |
بنا وهي منّا موحشات دواثر |
|
كأن لم يكن بين الحجون الى الصّفا |
أنيس ولم يسمر بمكة سامر |
|
فقلت له والقلب منّي كأنّما |
يقلّبه بين الجوانح طائر |
|
بلى نحن كنّا أهلها فأبادها |
صروف الليالي والجدود العواثر (٣) |
فان الشاعر استعان ببيتي حرفة بنت تبّع.
وهذا قريب من التضمين غير أنّ المصري فرّق بينهما فقال : «والفرق بين التضمين والايداع والاستعانة والعنوان أنّ التضمين يقع في النظم والنثر ويكون من المحاسن ومن العيوب ، والايداع والاستعانة وإن وقعا معا في النظم والنثر فلا يكونان إلا بالنظم دون النثر» (٤). وفرّق بين الاستعانة والمواربة فقال وهو يتحدث عما يقع من تصحيف أو تحريف في الكلام المتقدم ليدخل في معنى الكلام المتأخر عند الاستعانة : «والفرق بين هذا القسم من الاستعانة وبين المواربة أنّ المواربة تكون في كلام المتكلم نفسه والاستعانة لا تكون إلا بكلام غيره» (٥).
وقال السيوطي : «وتضمين البيت كاملا يسمى استعانة لأنه استعان بشعر غيره» (٦).
استعمال العامّ والخاصّ :
العام لفظ وضع وضعا واحدا لكثير غير محصور مستغرق جميع ما يصلح له ، والخاص هو كل لفظ وضع لمعنى معلوم على الانفراد (٧).
وقال ابن الاثير الحلبي : «فالعام في اصطلاح الاصوليين هو اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له بحسب وضع واحد. والفرق بين العام والمطلق هو اللفظ الدال على الحقيقة من حيث هي هي على الاصطلاح المتقدم. وقد يطلق في اصطلاح آخر على المعنى الكلي الذي تندرج تحته المقيّدات ، فعلى هذا من وجد الخاص أي المقيد وجد العام أي
__________________
(١) الكامل ج ١ ص ٣٠.
(٢) تحرير التحبير ص ٣٨٣. وينظر معاهد التنصيص ج ٤ ص ١٥٥.
(٣) المحاجر ؛ العيون. الموحشات ؛ المقفرات.
الدواثر ؛ البوالي. صروف الليالي ؛ أحداثها.
الجد ؛ الحظ ، العاثر ؛ المهلك. المستعان بهما هما الثالث والخامس.
(٤) تحرير التحبير ص ١٤٢.
(٥) تحرير ص ٣٨٥.
(٦) شرح عقود الجمان ص ١٧٠ ، شرح الكافية ص ٢٧١.
(٧) التعريفات ص ٨٥ ، ١٢٦.