والاستفهام طلب العلم بشيء لم يكن معلوما من قبل ، وهو الاستخبار الذي قالوا فيه : إنّه طلب خبر ما ليس عندك وهو بمعنى الاستفهام أي طلب الفهم.
ومنهم من فرّق بينهما وقال : إنّ الاستخبار ما سبق أولا ولم يفهم حق الفهم ، فاذا سألت عنه ثانيا كان استفهاما (١). ولكنّ الدائر في كتب البلاغة مصطلح «الاستفهام» ، وهو من أساليب الانشاء أو الطلب التي فطن لها أوائل المؤلفين والبلاغيين ، وقد عقد له سيبويه بابا سماه «باب الاستفهام» (٢) ، وتحدث فيه عن أدواته. وتكلم عليه الفراء والمبرد (٣).
ودخل في الدراسات البلاغية وتحدث عنه ابن وهب الذي قال : «ومن الاستفهام ما يكون سؤالا عما لا تعلمه فيخصّ باسم الاستفهام» (٤).
وقال السكاكي : «والاستفهام لطلب حصول في الذهن ، والمطلوب حصوله في الذهن إما أن يكون حكما بشيء على شيء أو لا يكون. والأول هو التصديق ويمتنع انفكاكه من تصور الطرفين ، والثاني هو التصور ولا يمتنع انفكاكه من التصديق» (٥). وسار على هذا المذهب ملخصو كتابه «مفتاح العلوم» وشراح التلخيص (٦). ولا يخرج غيرهم عن ذلك فالعلوي يقول : «ومعناه طلب المراد من الغير على جهة الاستعلاء» (٧). وابن قيم الجوزية يقول : «هو أن يستفهم عن شيء لم يتقدم له به علم حتى يحصل له به علم» (٨).
وللاستفهام أدوات كثيرة وهي نوعان :
الأول : حرفان وهما الهمزة وهل. وتستعمل الهمزة لطلب التصديق وهو إدراك النسبة أي تعيينها مثل : «أقام محمد»؟ الجواب عنها يكون بـ «نعم» أو «لا». وللتصور وهو ادراك المفرد أي تعيينه مثل : «أقام محمد أم قعد»؟ والجواب عنها يكون بتحديد المفرد أي : قام أو قعد.
أما هل فلا يطلب بها غير التصديق مثل : «هل قام محمد»؟ والجواب عنها يكون بـ «نعم» أو «لا».
الثاني : اسماء ، ولا يطلب بها إلا التصور وهي :
١ ـ ما : يطلب بها شرح الشيء مثل : «ما البلاغة»؟
٢ ـ من : للسؤال عن الجنس مثل : «من هذا»؟
٣ ـ أيّ : للسؤال عما يميز أحد المتشاركين في أمر يعمهما مثل : «أي الثياب عندك»؟
٤ ـ كم : للسؤال عن العدد مثل : «كم كتابا عندك»؟
٥ ـ كيف : للسؤال عن الحال مثل : «كيف محمد»؟
٦ ـ أين : للسؤال عن المكان مثل : «أين كنت»؟
٧ ـ أنّى : تستعمل تارة بمعنى «كيف» كقوله تعالى : (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها؟)(٩) ، وتارة بمعنى «من أين» كقوله تعالى : (يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا؟)(١٠) وتارة بمعنى «متى» مثل : «أنّى تسافر»؟
٨ ـ متى : للسؤال عن الزمان مثل : «متى جئت»؟
٩ ـ أيّان : للسؤال عن الزمان كقوله تعالى : (يَسْئَلُ
__________________
(١) الصاحبي ص ١٨١ ، البرهان في علوم القرآن ج ٢ ص ٣٢٦ ، معترك الاقران ج ١ ص ٤٣١ ، الاتقان ج ٢ ص ٧٩ ، شرح عقود الجمان ص ٤٩.
(٢) الكتاب ج ١ ص ٩٨ ، ج ٣ ص ١٧٦.
(٣) معاني القرآن ج ١ ص ٢٣ ؛ ٢٠٢ ؛ ج ٢ ص ٤١١ ؛ المقتضب ج ١ ص ٤١ ؛ ج ٢ ص ٥٣ ، ج ٣ ص ٢٢٨ ، ٢٦٤ ، ٢٦٨ ، ٢٨٩ ، ٢٩٢ ، ٣٠٧.
(٤) البرهان في وجوه البيان ص ١١٣.
(٥) مفتاح العلوم ص ١٤٦.
(٦) الايضاح ص ١٣١ ، التلخيص ص ١٥٣ ، شروح التلخيص ج ٢ ص ٢٤٦ ، المطول ص ٢٢٦ ، الأطول ج ١ ص ٢٣٤.
(٧) الطراز ج ٣ ص ٢٨٦.
(٨) الفوائد ص ١٦٠.
(٩) البقرة ٢٥٩.
(١٠) آل عمران ٣٧.