بالاجتلاب (١) ، وقد تقدم الكلام عليهما في «الاجتلاب».
الاستهلال :
استهلال الابتداء ، يقال استهلّت السماء وذلك في أول مطرها ، واستهلّ الصبيّ بالبكاء : رفع صوته وصاح عند الولادة (٢).
والاستهلال أن يبتدئ الشاعر أو الكاتب بما يدلّ على الغرض كقول الخنساء في أخيها صخر :
وما بلغت كفّ امرئ متناول |
من المجد إلا والذي نلت أطول |
|
وما بلغ المهدون للناس مدحة |
وإن أطنبوا إلا الذي فيك أفضل |
قال ابن الزملكاني : «ويقرب من هذا الضرب ضرب يسمى التسهيم كقول البحتري :
وإذا حاربوا أذلوا عزيزا |
وإذا سالموا أعزوا ذليلا |
وكقوله :
فليس الذي حلّلته بمحلّل |
وليس الذي حرّمته بحرام |
فالشطر الأول معرف بالشطر الثاني في البيتين ، سمي بذلك أخذا من البرد المسهّم الذي لا تفاوت فيه وقد يسمى التوشيح» (٣).
وهذه النظرة الى الاستهلال أوسع من نظرة الآخرين الذين يرون أنّه البدء بالمطلع الدال على المعنى. قال القرطاجني : «وتحسين الاستهلالات والمطالع من أحسن شيء في هذه الصناعة إذ هي الطليعة الدالة على ما بعدها المتنزلة من القصيدة منزلة الوجه والغرة ، تزيد النفس بحسنها ابتهاجا ونشاطا لتلقي ما بعدها إن كان بنسبة من ذلك ، وربما غطت بحسنها على كثير من التخون الواقع بعدها إذا لم يتناصر الحسن فيما وليها» (٤).
وقد تحدث البلاغيون عن «الابتداء» و «براعة الاستهلال» ، و «الافتتاح» وكلها تتصل بالاستهلال وجمال بداية الكلام إن كان مما يثير السامع ويحرك في نفسه كثيرا من الكوامن.
الاستيعاب :
وعب الشيء وعبا وأوعبه واستوعبه : أخذه أجمع ، والاستيعاب : الاستقصاء في كل شيء (٥).
والاستيعاب : «أن يتعلق بالكلام معنى له أقسام متعددة فيستوعبها في الذكر ويأتي عليها» (٦). كقوله تعالى : (يَخْلُقُ ما يَشاءُ ، يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ. أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً ، وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً)(٧). فهذا التقسيم حاصر لا مزيد على حصره مع ما فيه من البلاغة التي ليس وراءها غاية ، لأنّه في معنى : الناس على طبقاتهم واختلاف أحوالهم على أربعة أصناف : فمنهم من له بنات لا غير ، ومنهم من له بنون ، ومنهم ذو بنات وبنين ، ومنهم من هو عقيم لا ولد له من ابن أو بنت ، فهذه الآية الكريمة مستوعبة بذلك كله.
ومنه قول بشار :
فراح فريق في الأسار ومثله |
قتيل وقسم لاذ بالبحر هاربه |
فاستوعب أنواع التنكيل وتفريق الشمل كأنّه قال :صاروا بين أسير ومقتول وهارب في البحار لعله ينجو.
ومنه قول نصيب :
__________________
(١) حلية المحاضرة ج ٢ ص ٥٨ ، الرسالة العسجدية ص ٥٢ ، العمدة ج ٢ ص ٢٨٣.
(٢) اللسان (صلل).
(٣) التبيان ص ١٨٣.
(٤) منهاج البلغاء ص ٣٠٩.
(٥) اللسان (وعب).
(٦) الطراز ج ٣ ص ١٠٦.
(٧) الشورى ٤٩ ـ ٥٠.