فقال فريق القوم لما سألتهم |
نعم وفريق أيمن الله لا ندري |
فاستوعب جميع نوعي الجواب في النفي والاثبات فلم يبق بعد ذلك شيء.
وهذا ما سماه الآخرون «حسن التقسيم» و «التقسيم».
الإسجال :
أسجل الأمر : أطلقه ، ومنه قول محمّد بن الحنفية ـ رحمة الله عليه ـ في قوله عزوجل : (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ)(١) قال : هي مسجلة للبر والفاجر ، يعني مرسلة مطلقة في الإحسان إلى كلّ أحد لم يشترط فيها برّ دون فاجر. وأسجلت الكلام :أرسلته (٢).
وسمّاه المصري : «الاسجال بعد المغالطة» وهو من مبتدعاته ، وقد قال في تعريفه : «هو أن يقصد الشاعر غرضا من ممدوح فيأتي بألفاظ تقرّر بلوغه ذلك الغرض فيسجّل عليه ذلك مثل أن يشترط لبلوغه ذلك الغرض شرطا يلزم من وقوعه وقوع ذلك الغرض ثم يقرّر وقوع ذلك الغرض مغالطة ليقع المشروط» (٣).
وقد يقع الإسجال لغير مغالطة ، والقسم الأوّل يأتي في الشّعر وغيره من كلام البشر ولا يقع في الكتاب العزيز إلّا القسم الثاني وهو الإسجال بغير مغالطة ، كقوله تعالى : (رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ)(٤) ، وقوله : (رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ)(٥).
ومثال القسم الأول وهو ما تقع فيه المغالطة قول الشاعر :
جاء الشّتاء وما عندي لقرّته |
إلّا ارتعادي وتصفيقي بأسناني (٦) |
|
فإن هلكت فمولانا يكفّنني |
هبني هلكت فهبني بعض أكفاني |
وقد تأتي المغالطة بلا إسجال إذا أراد المتكلّم إخفاء مراده فسأل عن شيء وهو يريد غيره بشرط أن يكون المسؤول عنه يتعلق بمراده تعلقا قريبا لطيفا ، كقول أبي نواس :
أسأل القادمين من حكمان |
كيف خلّفتم أبا عثمان |
|
فيقولون لي جنان كما سرّ |
ك من خالها فسل عن جنان |
|
ما لهم لا يبارك الله فيهم |
كيف لم يغن عندهم كتماني |
فانه سأل عن أخي سيد جنان ـ وهو أبو عثمان الذي ذكره في البيت الأول ـ وانما أراد جنانا.
ونقل الاسجال عن المصري المتأخرون كالحلبي والنويري (٧) ، ولم يخرجا على أمثلته القرآنية والشعرية ، وذلك لأنّه أول من تحدث عنه وليس فيما سبقه من دراسات كلام على الاسجال.
الأسلوب الحكيم :
عقد الجاحظ في «البيان والتبيين» بابا سماه «اللغز والجواب» وقال : «قالوا كان الحطيئة يرعى غنما له وفي يده عصا فمرّ به رجل فقال : يا راعي الغنم ما عندك؟ قال : عجراء من سلم ـ يعني عصاه ـ قال :إني ضيف. قال الحطيئة : للضيفان أعددتها» (٨).
وكان مثل هذا الاسلوب يستعمل للتظرف أو
__________________
(١) الرحمن ٦٠.
(٢) اللسان (سجل).
(٣) تحرير التحبير ص ٥٧٤ ، بديع القرآن ص ٢٨٦.
(٤) آل عمران ١٩٤.
(٥) غافر ٨.
(٦) القرة ؛ شدة البرد.
(٧) حسن التوسل ص ٣٠٩ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٧٣.
(٨) البيان ج ٢ ص ١٤٧.