من ائتلاف اللفظ والمعنى ، وائتلاف اللفظ مع اللفظ ، وائتلاف المعنى مع المعنى ، نوعا برأسه ، فينبغي أن يحدّ كل منها بحد لا يشمل الآخر». وعلى هذا الاساس بحث كل نوع في عنوان مستقل.
ائتلاف الفاصلة :
الفواصل هي مقاطع القرآن ، ولا تسمى سجعا ولا قوافي لان هذين المصطلحين مختصان بكلام العرب نثره وشعره. وقد أفرد المصري هذا البحث بباب وقال إنه من مخترعات قدامة وسماه من بعده التمكين ، ولكنه عرفه تعريفا أدخل فيه الأسجاع والقوافي فقال : «هو أن يمهد الناثر لسجعة فقرته والشاعر لقافية بيته تمهيدا تأتي به القافية متمكنة في مكانها ، مستقرة في قرارها ، مطمئنة في موضوعها ، غير نافرة ولا قلقة ، متعلقا معناها بمعنى البيت كله تعلقا تاما بحيث لو طرحت من البيت لاختل معناه واضطرب مفهومه. ولا يكون تمكنها بحيث يتقدم لفظها بعينه في أول صدر البيت أو في أثناء الصدر أو معنى يدل عليها ، ولا أن تفيد معنى زائدا على معنى البيت ، فان الاول تصدير ، والثاني توشيح ، والثالث إيغال ، ولا يسمى شيء من ذلك تمكينا. وكل مقاطع آي الكتاب العزيز لا تخلو من أن تكون أحد هذه الأقسام الأربعة ، ولهذا تسمى مقاطعه فواصل لا سجعا ولا قوافي ، لاختصاص القوافي بالشعر ، والسجع بالمنافرة عن معنى الكلام مأخوذ من سجع الطائر» (١).
ومما جاء منه على هذا الباب وهو باب التمكين قوله تعالى : (قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا ، إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ)(٢) ، فإنه لما تقدم في الآية ذكر العبادة وتلاه ذكر التصرّف في الأموال اقتضى ذلك ذكر الحلم والرشد على الترتيب ؛ لأن الحلم العقل الذي يصحّ به تكليف العبادات ويحضّ عليها ، والرشد حسن التصرف في الأموال.
وقوله : (قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ. وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ)(٣) فان ذكر الرسالة مهّد لذكر البلاغ والبيان فيه.
وقوله : (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ، قالَ : يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ)(٤) ، لان ذكر دخول الجنة مهّد لفاصلتها.
ائتلاف القافية :
تحدث قدامة عن ائتلاف القافية مع ما يدل عليه سائر البيت وقال : هو «أن تكون القافية متعلقة بما تقدم من معنى البيت تعلق نظم له وملاءمة لما مرّ فيه» (٥) وتحدث عن أنواع ائتلاف القافية مع ما يدل عليه سائر البيت وهي التوشيح والايغال. وذكر أنّ من عيوب ائتلاف المعنى والقافية التكلف في طلبها والاتيان بها لتكون نظيرة لاخواتها في السجع. ومثال أن تكون القافية مستدعاة قد تكلف في طلبها فاشتغل معنى سائر البيت بها قول أبي تمام :
كالظبية الأدماء صافت فارتعت |
زهر العرار الغضّ والجثجاثا (٦) |
فجميع البيت مبنيّ لطلب هذه القافية ، وإلّا فليس في وصف الظبية بأنها ترعى الجثجاث كبير فائدة ؛ لأنه إنما توصف الظبية ـ إذا قصد لنعتها بأحسن أحوالها ـ بان يقال : إنها تعطو الشجر ؛ لأنّها حينئذ رافعة رأسها ، وتوصف بأنّ ذعرا يسيرا قد لحقها كما قال الطرماح :
مثل ما عاينت مخروفة |
نصّها ذاعر روع مؤام (٧) |
__________________
(١) بديع القرآن ص ٨٩ ، وتحرير التحبير ص ٢٢٤.
(٢) هود ٨٧.
(٣) يس ١٦ ـ ١٧.
(٤) يس ٢٦ ـ ٢٧.
(٥) نقد الشعر ص ١٩٠.
(٦) العرار ؛ النرجس البري الواحدة عرارة. الجثجاث ؛ نوع من النبات.
(٧) المخروفة ؛ الظبية التي قد رعت العشب الذي نبت في الخريف. نصها ؛ رفعت رأسها. مؤام ؛ مقارب.