تعالى : (فِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ)(١) فألمح الى كل ما تميل النفوس اليه من الشهوات وتلتذه الأعين من المرئيات.
ومنه قول زهير :
فاني لو لقيتك واتّجهنا |
لكان لكل منكرة كفاء |
أي : قابلت كل منكرة بكفئها.
ومن أمثلة الوحي والاشارة بضرب من الاستعارة قول يزيد بن الوليد لمروان بن محمد وقد بلغه عنه تلكؤه عن بيعته : «أراك تقدّم رجلا وتؤخر أخرى فاذا قرأت كتابي هذا فاقعد على أيهما شئت».
الإشباع :
أشبع الثوب وغيره : روّاه صبغا ، وقد يستعمل في غير الجواهر على المثل كاشباع النفخ والقراءة وسائر اللفظ ، وكل شي توفره فقد أشبعته حتى الكلام يشبع فتوفر حروفه (٢).
والاشباع في القوافي هو إشباع حركة الحرف بين ألف التأسيس وحرف الروي ككسرة الصاد من قوله :
كليني لهم يا أميمة ناصب |
وليل أقاسيه بطيء الكواكب |
وقيل : إنّما ذلك إذا كان الروي ساكنا ككسرة الجيم من قوله :
كنعاج وجرة ساقهنّ الى ظلال الصيف ناجر
وقيل : الاشباع اختلاف تلك الحركة اذا كان الروي مقيدا كقول الحطيئة :
الواهب المائة الصفا |
يا فوقها وبر مظاهر |
وقال الأخفش : الاشباع حركة الحرف الذي بين التأسيس والروي المطلق (٣).
ولكن الغانمي قال عنه : «هو أن يأتي الشاعر بالبيت معلق القافية على آخر أجزائه ولا يكاد يفعل ذلك إلّا حذاق الشعراء ، وذلك أنّ الشاعر اذا كان بارعا جلب بقدرته وذكائه وفطنته الى البيت وقد تمت معانيه واستغنى عن الزيادة فيه قافية متممة لأعاريضه ووزنه فجعلها نعتا للمذكور» (٤) ، وذلك كقول ذي الرمة :
قف العيس في أطلال ميّة فاسأل |
رسوما كأخلاق الرداء المسلسل |
وعلق ابن الأثير على ذلك بعد أن أشار الى التبليغ بقوله : «والبابان المذكوران سواء لا فرق بينهما بحال ، والدليل على ذلك أنّ بيت امرئ القيس يتم معناه قبل أن يؤتى بقافيته وكذلك بيت ذي الرمة ، ألا ترى أن امرأ القيس لما قال :
كأنّ عيون الوحش حول خبائنا |
وأرحلنا الجزع ... |
أتى بالتشبيه قبل القافية ولما احتاج اليها جاء بزيادة حسنة وهي قوله : «لم يثقّب» وهكذا ذو الرمة فانه لما قال :
قف العيس في أطلال ميّة فاسأل |
رسوما كأخلاق الرداء ... |
أتى بالتشبيه أيضا قبل أن يأتي بالقافية ، ولما احتاج اليها جاء بزيادة حسنة وهي قوله : «المسلسل». واعلم أنّ أبا هلال قد سمى هذين القسمين بعينهما الايغال» (٥)
وكان أبو هلال العسكري قد نقل ذلك عن الاصمعي ، قال : «وأخبرنا أبو أحمد ، قال : أخبرنا الصولي عن المبرد عن التوّزي قال : قلت للأصمعي :من أشعر الناس؟ فقال : من يأتي بالمعنى الخسيس
__________________
(١) الزخرف ٧١.
(٢) اللسان (شبع).
(٣) الموشح ص ١٠ ، اللسان (شبع).
(٤) المثل السائر ج ٢ ص ٣٥١ ، الجامع الكبير ص ٢٤٠.
(٥) المثل ج ٢ ص ٣٥١ ، الجامع ص ٢٤٠.