فيجعله بلفظه كبيرا ، أو الكبير فيجعله بلفظة خسيسا ، أو ينقضي كلامه قبل القافية فإذا احتاج اليها أفاد بها معنى» (١) ، وذكر بيتي امرئ القيس وذي الرمة. وكأن الاشباع هنا اشباع المعنى وان كان كاملا.
الاشتراك :
الشركة مخالطة الشريكين ، يقال : اشتركنا بمعنى تشاركنا ، وقد اشترك الرجلان وتشاركا وشارك أحدهما الآخر ، والشريك المشارك ، وطريق مشترك : يستوي فيه الناس ، واسم مشترك تشترك فيه معان كثيرة (٢).
والاشتراك أو المشاركة عدة أنواع : منها ما يكون في اللفظ ، ومنها ما يكون في المعنى. فالذي يكون في اللفظ ثلاثة أشياء :
الأول : أن يكون اللفظان راجعين الى حدّ واحد ومأخوذين من حدّ واحد ، وذلك اشتراك محمود وهو التجنيس (٣).
الثاني : أن يكون اللفظ يحتمل تأويلين أحدهما يلائم المعنى والآخر لا يلائمه ولا دليل فيه على المراد كقول الفرزدق :
وما مثله في الناس إلّا مملّكا |
أبو أمه حيّ أبوه يقاربه |
فقوله : «حي» يحتمل القبيلة ويحتمل الواحد الحي ، وهذا الاشتراك مذموم ، والمليح الذي يحفظ لكثيّر في قوله يشبب :
لعمري لقد حبّبت كلّ قصيرة |
اليّ وما تدري بذاك القصائر |
|
عنيت قصيرات الحجال ولم أرد |
قصار الخطى شرّ النساء البحاتر (٤) |
فانه لما أحسّ بالاشتراك نفاه وأعرب عن معناه الذي نحا اليه.
الثالث : ليس من هذا في شيء ، وهو سائر الألفاظ المبتذلة للتكلم بها ، ولا يسمى تناولها سرقة ولا تداولها اتباعا ؛ لأنّها مشتركة لا أحد من الناس أولى بها من الآخر فهي مباحة غير محظورة إلّا أن تدخلها استعارة أو تصحبها قرينة تحدث فيها معنى أو تفيد فائدة فهناك يتميز الناس ويسقط اسم الاشتراك الذي يقوم به العذر. قال الحاتمي عن الاشتراك في اللفظ : «وقد اعتبر قوم هذا سرقا ، وليس بسرق وإنّما هي ألفاظ مشتركة محصورة يضطر الى المواردة فيها إذا اعتمد الشاعر القول في معناه. ومثال ذلك قول المنخّل بن سبيع العنبري :
ألا قد أرى والله أن لست منكم |
وأن لستم مني وإن كنتم أهلي |
وقول الآخر :
ألا قد أرى والله أنّي ميّت |
ونخل مقيم سدرها أو بسالها (٥) |
ومما يعتمده قوم سرقا وليس بسرق وأنما هو اشتراك في اللفظ قول عنترة :
ألا قاتل الله النوى كيف أصبحت |
ألحّ عليها يابثين صريرها |
وقول جميل :
ألا قاتل الله النوى كيف أصبحت |
ألحّ عليها يابثين صريرها (٦) |
والاشتراك في المعاني نوعان :
الأول : أن يشترك المعنيان وتختلف العبارة عنهما فيتباعد اللفظان وذلك هو الجيد المستحسن.
__________________
(١) كتاب الصناعتين ص ٣٨٠.
(٢) اللسان (شرك).
(٣) ينظر المنزع البديع ص ٥٠٦.
(٤) البحاتر ؛ القصار ، وهي جمع بحترة ، أي قصيرة.
(٥) السدر ؛ شجر النبق. وفي معجم البلدان (نخلة) ؛ بأرض مقيم سدرها وسيالها.
(٦) حلية المحاضرة ج ٢ ص ٦٨.