تمززّتها والديك يدعو صباحه |
اذا ما بنو نعش دنوا فتصوّبوا |
وربما اجتلب الشاعر البيتين فلا يكون في ذلك بأس كما قال عمرو ذو الطوق :
صددت الكأس عنا أمّ عمرو |
وكان الكأس مجراها اليمينا |
|
وما شرّ الثلاثة أمّ عمرو |
بصاحبك الذي لا تصبحينا |
فاستلحقهما عمرو بن كلثوم فهما في قصيدته ، وكان أبو عمرو بن العلاء وغيره لا يرون ذلك عيبا.
والانتحال عندهم قول جرير :
إنّ الذين غدوا بلبك غادروا |
وشلا بعينك لا يزال معينا |
|
غيّضن من عبراتهن وقلن لي |
ماذا لقيت من الهوى ولقينا |
فان الرواة مجمعون على أنّ البيتين للمعلوط السعدي انتحلهما جرير (١). وكان الحاتمي قد عني بهذا الفن وذكر أنّ كثيّر عزّة كان كثيرا ما يصطرف شعر جميل الى نفسه ويهتدمه وقال : «وأذكر هنا قدرا من اصطرف غيره يستدل به على معنى الاصطراف. أخبرنا أبو أحمد عيسى بن عبد العزيز الطاهري عن الدمشقي قال : أخبرنا الزبير بن بكار قال أخبرنا عمر بن أبي بكر الموصلي عن عبد الله بن أبي عبيدة أنّ كثيرا أنشده قصيدته التي يقول فيها :
اذا الغرّ من نوء الثريا تجاوبت |
حمينا بأجواز الفلاة قطارها |
فمرّ في هذه القصيدة على أبي ذؤيب الهذلي في قصيدته التي أولها :
وما الدهر إلا ليلة ونهارها |
وإلا طلوع الشمس ثم غيارها |
فأخذ منها بيتين وهما :
وعيّرها الواشون أنّي أحبها |
وتلك وشاة طائر عنك عارها |
|
وإن اعتذر منها فأني مكذّب |
وإن تعتذر يردد عليك اعتذارها |
فاستضافهما جميعا واصطرفهما ...
ومن الاصطراف ما أخبرنا به أبو محمد عبد الله بن جعفر قال : أخبرنا المبرد عن المازني قال : قال جرير :
لو شئت قد نقع الفؤاد بمشرب |
يدع الحوائم لا يجدن غليلا |
|
من ماء ذي رصف القلاة ممنع |
قطن الأباطح ما يزال ظليلا |
فقال المهرول العامري ، واصطرف الأول واهتدم الثاني :
لو شئت قد نقع الفؤاد بمشرب |
يدع الحوائم لا يجدن غليلا |
|
من ماء ذي رصف الفلاة ممنع |
يعلو أشم على الجبال طويلا (٢) |
الاصطلام :
الاصطلام من قولهم : اصطلم من الصلم وهو القطع (٣). قال السجلماسي : «هو قول مركب من أجزاء فيه مشتملة بجملتها على مضمون تنقص عنه بطرح جزء منها هو عمدة أو في حكم العمدة في الاقتران لافادة ذلك المضمون» (٤) وهو نوعان :الاكتفاء ، والحذف المقابلي. وسيأتي الاكتفاء ، اما الحذف المقابلي فهو «الاحتباك» وقد تقدم.
__________________
(١) العمدة ج ٢ ص ٢٨١ وما بعدها.
(٢) حلية المحاضرة ج ٢ ص ٦١ ـ ٦٢.
(٣) اللسان (صلىاللهعليهوسلم).
(٤) المنزع البديع ص ١٨٧.