فأما أن ترعي الجثجاث فلا معنى له في زيادة الظبية من الحسن ، لأنّ هذا النبت ليس من المراعي التي توصف بالطيب.
ومثال الاتيان بالقافية لتكون نظيرة لأخواتها في السجع قول علي بن محمد البصري :
وسابغة الأذيال زعف مفاضة |
تكنّفها منّي نجاد مخطط (١) |
في وصف الدرع وتجويد نعتها ، ولا يزيد في جودتها أن يكون نجادها مخططا أو غير ذلك (٢).
وتحدث المصري عن «ائتلاف القافية مع ما يدل عليه سائر البيت» فقال : «وهو الذي سماه من بعد قدامة التمكين ، وهو أن يمهّد الناثر لسجعة فقرته أو الناظم لقافية بيته تمهيدا تأتي القافية به متمكنة في مكانها مستقرة في قرارها مطمئنة في موضعها غير نافرة ولا قلقة ، متعلقا معناها بمعنى البيت كله تعلقا تاما بحيث لو طرحت من البيت اختلّ معناه واضطرب مفهومه ، ولا يكون تمكنها بحيث يقدّم لفظها بعينه في أول صدر البيت أو معنى يدل عليها في أول الصدر أو في أثناء الصدر ولا أن يفيد معنى زائدا بعد تمام معنى البيت ، فان الأول يسمى تصديرا ، والثاني توشيحا ، والثالث إيغالا ، ولا يقال لشيء من ذلك تمكين البتة» (٣). وسماه في «بديع القرآن» ائتلاف الفاصلة مع ما يدل عليه سائر الكلام (٤) ، لأنّ نهايات الآيات لا تسمى أسجاعا بل فواصل لأنّ السّجع مأخوذ من سجع الطائر ، ولا يليق ذلك بكتاب الله العزيز. ولكن البلاغيين الآخرين كابن مالك وابن الأثير الحلبي والحموي والسيوطي والمدني (٥) سموه «تمكينا». ومعظم شعر الفحول من هذا اللون ، ومن ذلك قول أبي تمام :
ومن يأذن الى الواشين تسلق |
مسامعه بألسنة حداد |
وقوله :
مذاكي حلبة وشروب دجن |
وسامر قينة وقدور صاد |
|
وأعين ربرب كحلت بسحر |
وأجساد تضمّخ بالجساد (٦) |
وقول البحتري :
فلم أر ضرغامين أصدق منهما |
عراكا إذا الهيّابة النكس أكذبا (٧) |
|
حملت عليه السيف لا عزمك انثنى |
ولا يدك ارتدّت ولا حدّه نبا |
وقول المتنبي :
يا من يعزّ علينا أن نفارقهم |
وجداننا كلّ شيء بعدكم عدم |
|
إن كان سرّكم ما قال حاسدنا |
ما لجرح إذا أرضاكم ألم |
ائتلاف اللّفظ مع اللّفظ :
وهو الصنف الثاني من الائتلاف عند ابن مالك ، وقد عرّفه بقوله : «هو أن يكون في الكلام معنى يصحّ معه واحد من عدة معان فيختار منها ما بينه وبين بعض الكلام ائتلاف الاشتراك في الحقيقة أو ملاءمة المزاج أو نحو ذلك» (٨). وعرّفه العلوي بقوله : «هو أن تريد معنى من المعاني تصحّ تأديته بألفاظ كثيرة ولكنك
__________________
(١) الزغف ؛ الدرع المحكمة.
(٢) نقد الشعر ص ٢٥٤ ـ ٢٥٦.
(٣) تحرير التحبير ص ٢٢٤.
(٤) بديع القرآن ص ٨٩.
(٥) المصباح ص ١١٧ ، جوهر الكنز ص ٢٠٠ ، خزانة الأدب ص ٤٣٩ ، معترك الأقران ج ١ ص ٣٩ ، شرح عقود الجمان ص ١٥٥ ، أنوار الربيع ج ٦ ص ١٥١.
(٦) المذاكي ؛ الخيل التي تم سنها وكملت قواها.
الدجن ؛ المطر الغزير. سامر قينة ؛ احتفال بالقيان. الصاد ؛ الصفر والنحاس. الربرب ؛ بقر الوحش. تضمخ ، تلطخ. الجساد ؛ الزعفران.
(٧) الهيابة ؛ الهيوب. النكس ؛ الجبان.
(٨) المصباح ص ١١٤.