الإضمار :
الضمير : السرّ وداخل الخاطر ، والضمير : الشيء الذي تضمره في قلبك وأضمرت الشيء : أخفيته ، وهو مضمر وضمار (١).
وللضمائر جانبان : أحدهما يتعلق بجانب الاعراب ، والآخر يتعلق بجانب المعاني.
والثاني هو الذي يتحدث عنه البلاغيون ، وقد قالوا إنّ ضمير الشأن والقصة كقوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)(٢) ، وقوله : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ)(٣). إنّما يرد على جهة المبالغة في تعظيم تلك القصة وتفخيم شأنها وتحصيل البلاغة فيه من جهة اضماره أولا وتفسيره ثانيا ؛ لأنّ الشيء اذا كان مبهما فالنفوس متطلعة الى فهمه ولها تشوق اليه فلأجل هذا حصلت فيه البلاغة ، ولأجل ما فيه من الاختصاص والابهام لا يكاد يرد إلّا في المواضع البليغة المختصة بالفخامة ومثل ذلك الضمير في «نعم» و «بئس» فهو إنّما اضمر على جهة المبالغة في المدح والذم وهو من الباب الذي ابهم ثم فسّر ، فتوجّه البلاغة فيه من حيث كان مبهما فكان للافئدة تطلع الى فهمه وللقلوب تعلق به ولها غرام بايضاحه.
ومثل ذلك الضمير المتوسط بين المبتدأ والخبر وعواملهما وهو العماد أو الفصل كقوله تعالى : (وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ)(٤) وقوله : (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَ)(٥) ، وقوله : (وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ)(٦).
ووروده من أجل التأكيد المعنوي وفيه دلالة على الاختصاص ، فقوله تعالى : (وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) ورد الضمير على هذه الصيغة للتأكيد لأنّ الكلام مع ذكرها أبلغ ولو قيل «والكافرون الظالمون» باسقاط الضمير لكان هناك فرق بين الحالتين في التأكيد وعدمه وهي مفيدة للإختصاص أي أنّهم لكفرهم اختصوا بمزيد الظلم الفاحش. وقوله تعالى : (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا*)(٧) فيه دلالة على مزيد اختصاصهم بالايمان واستحقاقهم لصنعته من بين سائر الخلق فيؤخذ الاختصاص والتأكيد في هذا الضمير (٨).
الإضمار على شريطة التّفسير :
ومن الإضمار ما يسمّى «الإضمار على شريطة التّفسير» وذلك مثل قولهم : «أكرمني وأكرمت عبد الله» أي : أكرمني عبد الله وأكرمت عبد الله ، ثم ترك ذكره استغناء بذكره في الثاني. ومما يشبه ذلك مجيء المشيئة بعد «لو» وبعد حرف الجزاء موقوفة معداة الى شيء كقوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى)(٩) والتقدير : ولو شاء الله أن يجمعهم على الهدى لجمعهم ، إلا أنّ البلاغة في الحذف.
ومتى كان مفعول المشيئة أمرا عظيما أو بديعا غريبا كان الأولى ذكره والا فالحذف أولى ، مثال الأول قوله :
ولو شئت أن أبكي دما لبكيته |
عليه ولكن ساحة الصّبر أوسع |
لما كانت مشيئة الانسان أن يبكي دما أمرا عظيما عجيبا كان الأولى التصريح به. ومثال الثاني قوله تعالى : (فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ)(١٠).
وقد تترك الكناية الى التصريح لما فيه من زيادة الفخامة كقول البحتري :
__________________
(١) اللسان (ضمر).
(٢) الاخلاص ١.
(٣) الحج ٤٦.
(٤) القصص ٥٨.
(٥) الكهف ٣٩.
(٦) الزخرف ٧٦.
(٧) الانفال ٤ ، ٧٤.
(٨) الطراز ج ٢ ص ١٤١ ، وينظر الروض المريع ص ١٦٣.
(٩) الانعام ٣٥.
(١٠) الشورى ٢٤.