قد طلبنا فلم نجد لك في السؤ |
دد والمجد والمكارم مثلا |
المعنى : قد طلبنا لك مثلا ، ثم حذف لأنّ هذا المدح إنّما يتم بنفي المثل فلو قال : قد طلبنا لك مثلا في السؤدد والمجد فلم نجده لكان قد أوقع نفي الوجود على ضمير المثل فانّ الكناية لا تبلغ مبلغ التصريح ولهذا لو قيل : «وبالحق أنزلناه وبه نزل» و «قل هو الله أحد وهو الصمد» لذهبت الفخامة التي في قوله تعالى :(وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ)(١) ، وقوله : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ. اللهُ الصَّمَدُ)(٢). وعلى ذلك قول الشاعر :
لا أرى الموت يسبق الموت شيء |
نغّص الموت ذا الغنى والفقيرا (٣) |
الإطالة :
يقال : طال الشيء طولا وأطلته إطالة أي حددته وجعلته طويلا (٤). وكان بعض البلغاء لا يميلون الى الاطالة بل كان بعضهم لا يكاد يتكلم كعمرو ابن عبيد الذي قال الجاحظ عنه : «كان عمرو بن عبيد لا يكاد يتكلم فاذا تكلم لم يكد يطيل. وكان يقول : لا خير في المتكلم إذا كان كلامه لمن شهده دون نفسه ، وإذا طال الكلام عرضت للمتكلم أسباب التكلف ، ولا خير في شيء يأتيك به التكلف» (٥) وذكر ابن جني أنّ «الاطالة والايجاز جميعا انما هما في كل كلام مفيد مستقل بنفسه» (٦). فالاطالة لها مقتضاها وللايجاز مقتضاه في الكلام ، ولكنّ بعضهم حدد موقف الاطالة فقال شبيب ابن شيبة : «فاذا ابتليت بمقام لا بدّ لك فيه من الاطالة فقدّم إحكام البلوغ في طلب السلامة من الخطل قبل التقدم في إحكام البلوغ في شرف التجويد. وإياك أن تعدل بالسلامة شيئا فان قليلا كافيا خير من كثير غير شاف» (٧). وتحدث ابن المقفع عن الاطالة فقد قيل له : «فان ملّ السامع الاطالة التي ذكرت أنّها حقّ ذلك الموقف»؟. قال : «اذا اعطيت كل مقال حقه وقمت بالذي يجب من سياسة ذلك المقام وأرضيت من يعرف حقوق الكلام فلا تهتم لما فاتك من رضى الحاسد والعدو فانه لا يرضيهما شيء. وأما الجاهل فلست منه وليس منك ، ورضى جميع الناس شيء لا تناله ، وقد كان يقال :رضى الناس شيء لا ينال» (٨).
الاطّراد :
الاطّراد مصدر اطّرد الشيء : إذا تبع بعضه بعضا وجرى ، والأنهار تطّرد أي : تجري ، وبعير مطرد : وهو المتتابع في سيره ولا يكبو ، واطّرد الأمر : استقام ، واطردت الأشياء : اذا تبع بعضها بعضا ، واطرد الكلام : إذا تتابع (٩).
قال ابن رشيق : «ومن حسن الصنعة أن تطرد الاسماء من غير كلفة ولا حشو فارغ فانها إذا اطردت دلت على قوة طبع الشاعر وقلة كلفته ومبالاته بالشعر» (١٠) ، كقول الأعشى :
أقيس بن مسعود بن قيس بن خالد |
وأنت امرؤ ترجو شبابك وائل |
__________________
(١) الاسراء ١٠٥.
(٢) الاخلاص ١ ـ ٢.
(٣) دلائل الاعجاز ص ١٢٥ ، نهاية الايجاز ص ١٤٢ ، حسن التوسل ص ١٦٩ نهاية الأرب ج ٧ ص ٧٩ ، التبيان ص ١١٧ ، البرهان الكاشف ص ٢٤٦ ، الايضاح ص ١٠٥ ، التلخيص ص ١٢٨ ، شروح التلخيص ج ٢ ص ١٣١ ، المطول ص ١٩٣ ، الاطول ج ١ ص ٢٠٥.
(٤) اللسان (طول).
(٥) البيان ج ١ ص ١١٥ ، وينظر زهر الآداب ج ١ ص ١١٣.
(٦) الخصائص ج ١ ص ٣٠.
(٧) البيان ج ١ ص ١١٢.
(٨) البيان ج ١ ص ١١٦ ، وينظر الروض المريع ص ٨٣.
(٩) اللسان (طرد) ، خزانة ص ١٦٠ ، أنوار الربيع ج ٣ ص ٣٢٤.
(١٠) العمدة ج ٢ ص ٨٢.