فأتى كالماء الجاري اطرادا وقلة كلفة وبين النسب حتى أخرجه عن مواضع اللبس والشبهة.
ومما تعسف فيه المتنبي قوله لسيف الدولة الحمداني :
فأنت أبو الهيجا ابن حمدون يا ابنه |
تشابه مولود كريم ووالد |
|
وحمدان حمدون وحمدون حارث |
وحارث لقمان ولقمان راشد |
قال ابن رشيق : «ففي هذا المعنى من التقصير أنّه في بيتين وأنّه جعلهم أنياب الخلافة بقوله :
أولئك أنياب الخلافة كلّها |
وسائر أملاك البلاد الزوائد |
وهم سبعة بالممدوح والأنياب في المتعارف أربعة إلا أن تكون الخلافة تمساح نيل أو كلب بحر ، فان أنياب كل واحد منهما ثمانية. اللهم إلا أن يريد أنّ كل واحد منهم ناب الخلافة في زمانه خاصة فانه يصح. وفيه من الزيادة على ما قبله أنه زاد واحدا في العدد فانّه جعل كل ابن هو أبوه في الخلافة الى أن بلغ راشدا ولم يقصد الى ذلك أحد من أصحابه وانما مقت شعره هذا تكريره كل اسم مرتين في بيت واحد وهي أربعة أسماء» (١).
وقال المصري عن الاطراد : «هو أن تطرد للشاعر أسماء متتالية يزيد الممدوح بها تعريفا لأنّها لا تكون إلا أسماء آبائه تأتي منسوبة صحيحة التسلسل غير منقطعة من ظهور كلفة على النظم ولا تعسف في السبك بحيث يشبّه تحدرها باطراد الماء لسهولته وانسجامه فمتى جاءت كذلك دلت على قوة عارضة الشاعر وقدرته» (٢). وذكر بعض أمثلة ابن رشيق وقوله تعالى : (مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ)(٣) حكاية عن يوسف عليهالسلام. وقال القرطاجني : «وما كان في أقصى الرتب من ذلك وما يليها من الأوساط فهو الذي يسمى الاطراد» (٤).
ولم يخرج ابن مالك والحلبي والنويري وابن الاثير الحلبي والقزويني والسبكي والتفتازاني والحموي والسيوطي والاسفراييني والمغربي والمدني والدمنهوري على السابقين (٥) وفرّق العلوي بينه وبين الاستطراد بقوله : «إنّ الاستطراد يكون كلام ثم تدخل عليه كلاما أجنبيا عنه ثم ترجع الى الأول ؛ بخلاف الاطراد فانه ذكر اسم الممدوح بعينه ليزداد إبانة وتوضيحا على ترتيب صحيح ونسق مستقيم من غير تكلف في النظم ولا تعسف في السبك حتى يكون ذكر الاسم في سهولته كاطراد الماء وسهولة جريه وسيلانه» (٦).
هذا هو الاساس عند معظم البلاغيين وسماه بعضهم «ذكر الاسماء مطلقا» (٧) وهي تسمية صحيحة وإن كان الأول أكثر دورانا وأقرب دلالة على هذا الفن.
الإطناب :
الاطناب : البلاغة في المنطق والوصف مدحا كان
__________________
(١) العمدة ج ٢ ص ٨٤.
(٢) تحرير التحبير ص ٣٥٢ ، بديع القرآن ص ١٤١.
(٣) يوسف ٣٨.
(٤) منهاج البلغاء ص ٣٢٠.
(٥) المصباح ص ٨٣ ، حسن التوسل ص ٢٨٤ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٥٥ ، جوهر الكنز ص ٢٤٠ ، الايضاح ص ٣٨٢ ، التلخيص ٣٨٧ ، عروس الافراح ج ٤ ص ٤١٠ ، المطول ص ٤٤٥ ، المختصر ج ٤ ص ٤١٠ ، خزانة ص ١٦٠ ، معترك ج ١ ص ٣٨٥ ، الاتقان ج ٢ ص ٨٧ ، شرح عقود الجمان ص ١٣٣ ، الأطول ج ٢ ص ٢٢١ ، مواهب الفتاح ج ٤ ص ٤١٠ ، أنوار الربيع ج ٣ ص ٣٢٤ ، حلية اللب ص ١٤٩ ، نفحات الأزهار ص ١٣٠ ، كفاية ص ٢٠٦ ، شرح الكافية ص ١٣٢.
(٦) الطراز ج ٣ ص ٩٣.
(٧) عروس الافراح ج ٤ ص ٤١١.