والتنبيه في قول الشاعر :
واعلم ـ فعلم المرء ينفعه ـ |
أن سوف يأتي كلّ ما قدرا |
وتخصيص أحد المذكورين بزيادة التأكيد في أمر علق بهما كقوله تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ)(١).
والمطابقة مع الاستعطاف في قول المتنبي :
وخفوق قلب لو رأيت لهيبه |
يا جنّتي لرأيت فيه جهنّما |
والتنبيه على سبب أمر فيه غرابة كما في قول الشاعر :
فلا هجره يبدو ـ وفي اليأس راحة ـ |
ولا وصله يبدو لنا فنكارمه (٢) |
الإطناب بالإيضاح :
يؤتى بالاطناب بالايضاح بعد الابهام ليرى المعنى في صورتين مختلفتين أو ليتمكن في النفس فضل تمكن فإنّ المعنى إذا ألقي على سبيل الاجمال والابهام تشوقت نفس السامع الى معرفته على سبيل التفصيل والايضاح فتتوجه الى ما يرد بعد ذلك فإذا ألقي كذلك تمكن فيها فضل تمكن وكان شعورها به أتم. أو لتكمل اللذة بالعلم به فإن الشيء إذا حصل كمال العلم به دفعة واحدة لم يتقدم حصول اللذة به ألم واذا حصل الشعور به من وجه دون وجه تشوقت النفس الى العلم بالمجهول فيحصل لها بسبب المعلوم لذة وبسبب حرمانها عن الباقي ألم ثم إذا حصل لها العلم به حصلت له لذة أخرى واللذة عقيب الألم أقوى من اللذة التي لم يتقدمها ألم.
أو يؤتى به لتفخيم الأمر وتعظيمه كقوله تعالى : (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي)(٣) والمقام مقتض للتأكيد للارسال المؤذن بتلقي المكاره والشدائد. كقوله تعالى : (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ)(٤).
ففي ابهامه وتفسيره تفخيم للأمر وتعظيم له.
ومن الايضاح بعد الابهام باب «نعم» و «بئس» إذ لو لم يقصد الاطناب لقيل : «نعم زيد» و «بئس عمرو».
ووجه حسنه سوى الايضاح بعد الابهام أمران آخران :
الأول : إبراز الكلام في معرض الاعتدال نظرا الى إطنابه من وجه والى اختصاره من آخر وهو حذف المبتدأ في الجواب.
الثاني : ايهام الجمع بين المتنافيين (٥).
الإطناب بالإيغال :
سبق الأصمعي الى معرفة هذا الفن ولم يسمّه فقد ذكر قدامة أنّ ابا العباس محمد بن يزيد المبرد قال : حدثني التّوّزي قال : قلت للأصمعي من أشعر الناس؟ فقال : من يأتي الى المعنى الخسيس فيجعله بلفظه كبيرا أو الى الكبير فيجعله بلفظه خسيسا أو ينقضي كلامه قبل القافية فإذا احتاج اليها أفاد بها معنى. قال : قلت : نحو من؟ قال : نحو ذي الرمة حيث يقول :
قف العيس في أطلال ميّة فاسأل |
رسوما كأخلاق الرداء المسلسل |
فتم كلامه قبل «المسلسل» ثم قال : «المسلسل» فزاد شيئا ثم قال :
__________________
(١) لقمان ١٤.
(٢) الايضاح ص ٢٠٦ ، التلخيص ٢٣١ ، شروح التلخيص ج ٣ ص ٢٣٧ ، المطول ص ٢٩٦ ، الاطول ج ٢ ص ٤٧.
(٣) طه ٢٥ ـ ٢٦.
(٤) الحجر ٦٦.
(٥) الايضاح ص ١٩٥ ، التلخيص ٢٢١ ، عروس الافراح ج ٣ ص ٢٠٩ ، المختصر ج ٣ ص ٢٠٩ ، المطول ٢٩١ ، شرح عقود الجمان ص ٧١ ، الأطول ج ٢ ص ٤٠ ، مواهب الفتاح ج ٣ ص ٢٠٩.