آخذا في البيت من الجزء الذي هو الضرب الى أول العجز» (١).
ولم يخرج البلاغيون الآخرون عن هذا المعنى وسار على خطى المتقدمين ابن مالك والحلبي والنويري وابن الأثير الحلبي والعلوي وابن قيم الجوزية والزركشي والحموي والسيوطي والمدني (٢).
وتحدث عن التذييل القزويني وشرّاح تلخيصه في بحث الاطناب وسمّوه «الاطناب بالتذييل ، وقال القزويني : «هو تعقيب الجملة بجملة تشتمل على معناها للتوكيد» (٣) ، وهو ضربان : ضرب لا يخرج مخرج المثل لعدم استقلاله بافادة المراد وتوقفه على ما قبله كقوله تعالى : (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ؟)(٤) وقول ربيعة بن مقروم :
ودعوا نزال فكنت أوّل نازل |
وعلام أركبه إذا لم أنزل |
وقول ابن نباتة السعدي :
لم يبق جودك لي شيئا أؤمله |
تركتني أصحب الدنيا بلا أمل |
وضرب يخرج مخرج المثل كقوله تعالى : (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ ، إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً)(٥). وقول النابغة الذبياني :
ولست بمستبق أخا لا تلمّه |
على شعث أيّ الرجال المهذّب |
وقد اجتمع الضربان في قوله تعالى : (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ ؛ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ. كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ)(٦). فقوله : (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ) من الأول وما بعده من الثاني. وكل منهما تذييل على ما قبله.
وهو أيضا إما لتأكيد منطوق كلام كقوله تعالى : (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ ، إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً)(٧) ؛ وإما لتأكيد مفهومه كبيت النابغة : «ولست بمستبق ...» فان صدره دلّ بمفهومه على نفي الكامل من الرجال فحقق ذلك وقرره بعجزه.
الإطناب بالتّكرير :
وهو الاطناب بالتكرار ؛ وهو من الأساليب الشائعة في اللغة العربية ؛ وقد تعرّض له معظم النحاة والنقاد والبلاغيين فقال الفراء : «والكلمة قد تكررها العرب على التغليظ والتخويف» (٨). وسماه أبو عبيدة «مجاز المكرر» (٩) وأولى الجاحظ التكرار عناية كبيرة ونقل بعض الأقوال فيه ؛ ومن طريف ما ذكر قوله : «جعل ابن السماك يوما يتكلم وجارية له حيث تسمع كلامه ، فلما انصرف اليها قال لها : كيف سمعت كلامي؟قالت : ما أحسنه ؛ لو لا أنّك تكثر ترداده. قال : أردده حتى يفهمه من لم يفهمه. قالت : الى أن يفهمه من لا يفهمه قد ملّه من فهمه» (١٠). ثم قال الجاحظ : «وجملة القول في الترداد أنّه ليس فيه حدّ ينتهى اليه ، ويؤتى على وضعه وإنما ذلك على قدر المستمعين ومن يحضره من العوام والخواص. وقد رأينا الله ـ
__________________
(١) تحرير التحبير ص ٣٩١ ، وينظر خزانة الأدب ص ١١٠ ، وأنوار الربيع ج ٣ ص ٤٣.
(٢) المصباح ص ٩٨ ، حسن التوسل ص ٢٦٤ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٤٠ ، جوهر الكنز ص ٢٤٤ ، الطراز ج ٣ ص ١١١ ، الفوائد ص ١٢١ ، البرهان في علوم القرآن ج ٣ ص ٩٨ ، خزانة ص ١٠٩ ـ ١١١ ، معترك ج ١ ص ٣٦٨ ، الاتقان ج ٢ ص ٧٤ ، أنوار الربيع ج ٣ ص ٣٩.
(٣) الايضاح ص ٢٠٠ ، التلخيص ٢٢٧ ، شروح التلخيص ج ٣ ص ٢٢٥ ، المطول ص ٢٩٤ ، الاطول ج ٢ ص ٤٥.
(٤) سبأ ١٧.
(٥) الاسراء ٨١.
(٦) الأنبياء ٣٤ ـ ٣٥.
(٧) الاسراء ٨١.
(٨) معاني القرآن ج ٣ ص ٢٨٧ ، وينظر ج ١ ص ١٧٧ ، ج ٢ ص ٢٣٤.
(٩) مجاز القرآن ج ١ ص ١٢.
(١٠) البيان ج ١ ص ١٠٤.