لِي وَلِوالِدَيْكَ)(١).
ومنها المطابقة والاستعطاف كما في قول المتنبي :
وخفوق قلب لو رأيت لهيبه |
ـ يا جنّتي ـ لرأيت فيه جهنّما |
ومنها بيان السبب لأمر فيه غرابة كما في قول الشاعر :
فلا هجره يبدو ـ وفي اليأس راحة ـ |
ولا وصله يصفو لنا فنكارمه |
ومنها المدح كما في قول أبي محمد الخازن :
فأية طربة للعفو إنّ ال |
كريم ـ وأنت معناه ـ طروب |
ومما جاء بين كلامين متصلين معنى وهو أكثر من جملة أيضا قوله تعالى : (قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ)(٢). فقوله تعالى : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى) ليس من قول أم مريم وإنما هو اعتراض من كلام الله ـ سبحانه ـ والنكتة فيه تعظيم الموضوع وتجهيلها بقدر ما وهب لها منه.
وهذه النكت أشار اليها القزويني وشراح تلخيصه حينما تحدثوا عن «الاطناب بالاعتراض» (٣) :
الإعجاز :
نزل القرآن الكريم فكان حجة بلاغية تحدى العرب بل الانس والجن على أن يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا. وكان العرب يسمعونه فيخرّون لروعته وجماله ساجدين ويتأثرون به تأثرا شديدا وقد دفع المؤلفين فيما بعد الى أن يبحثوا عن ذلك ويوضحوا مسألة إعجاز القرآن ، ويبينوا سر ذلك الاعجاز الذي تحداهم الله به حينما قال : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً)(٤).
كان المتكلمون أول من تحدثوا عن إعجازه وبلاغته فقالت المعتزلة ـ إلا النظام وهشاما الفوطي وعباد بن سليمان ـ : «تأليف القرآن ونظمه معجز محال وقوعه منهم كاستحالة إحياء الموتى منهم وانّه علم لرسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ. وقال النظام : الآية والاعجوبة في القرآن ما فيه من الاخبار عن الغيوب ، فأما التأليف والنظم فقد كان يجوز أن يقدر عليه العباد لو لا أنّ الله منعهم بمنع وعجز أحدثهما فيهم. وقال هشام وعباد : لا نقول إنّ شيئا من الأعراض يدلّ على الله سبحانه وتعالى ـ ولا نقول أيضا إنّ عرضا يدل على نبوة النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ. ولم يجعلا القرآن علما للنبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وزعما أنّ القرآن أعراض» (٥).
ويتضح من ذلك أنّ للمعتزلة رأيين في الاعجاز :
الأول : إنّه معجز بنظمه.
إنّه معجز بالصّرفة.
ورأى الرماني أنّ القرآن معجز ببلاغته ، وهو أعلى طبقات الكلام ، والبلاغة عنده ايصال المعنى الى القلب في أحسن صورة من اللفظ ، وأعلاها طبقة في الحسن بلاغة القرآن ، وأعلى طبقات البلاغة معجز للعرب كإعجاز الشعر المفحم ، فهذا معجز للمفحم خاصة كما إنّ ذلك معجز للكافة (٦).
ويرى الخطّابي أنّ بلاغة القرآن ترجع الى جمال ألفاظه وحسن نظمه وسموّ معانيه وتأثيره في النفوس ، قال : «واعلم أنّ القرآن إنما صار معجزا لأنّه جاء بأفصح
__________________
(١) لقمان ١٤.
(٢) آل عمران ٣٦.
(٣) الايضاح ص ٢٠٦ ، التلخيص ٢٣١ ، شروح التلخيص ج ٣ ص ٢٣٧ ، المطول ص ٢٩٦ ، الأطول ج ٢ ص ٤٧. وينظر المنصف ص ٦٣ ، التبيان في البيان ص ٣١٦ ، شرح الكافية ص ٣٢٠.
(٤) الاسراء ٨٨.
(٥) مقالات السلاميين ج ١ ص ٢٢٥.
(٦) النكت في اعجاز القرآن ص ٦٩.