بينها في تأليف الألفاظ فصار الكلام بها مؤتلف النسج محكم السّدى (١).
ائتلاف اللّفظ مع المعنى :
أشار بشر بن المعتمر في صحيفته الى هذا الفن ، وقال : «ومن أراغ معنى شريفا فليلتمس له لفظا كريما ، فانّ حقّ المعنى الشريف اللفظ الشريف» (٢). وقال الجاحظ : «إلا اني أزعم ان سخيف الألفاظ مشاكل لسخيف المعاني» (٣) ، وقال : «ومتى شاكل ـ أبقاك الله ـ ذلك اللفظ معناه وأعرب عن فحواه ، وكان لتلك الحال وفقا ولذلك القدر لفقا ، وخرج من سماجة الاستكراه ، وسلم من فساد التكلف ، كان قمينا بحسن الموقع وبانتفاع المستمع ، وأجدر بأن يمنع جانبه من تناول الطاعنين ، ويحمي عرضه من اعتراض العائبين ، وألّا تزال القلوب به معمورة والصدور مأهولة» (٤). وقال : «ولكل ضرب من الحديث ضرب من اللفظ ، ولكل نوع من المعاني نوع من الاسماء ، فالسخيف للسخيف ، والخفيف للخفيف ، والجزل للجزل» (٥). وهذا هو التناسب بين اللفظ والمعنى ، وقد سماه قدامة «ائتلاف اللفظ مع المعنى» (٦) وتحدث فيه عن المساواة والاشارة والإرداف والتمثيل. ولم يبين معناه غير أنّ الآمدي شرحه ولم «توف عبارته بايضاحه» (٧) ، وتحدث عنه القاضي الجرجاني فقال : «لا آمرك باجراء أنواع الشعر كله مجرى واحدا ، ولا أن تذهب بجميعه مذهب بعضه ، بل أرى لك أن تقسّم الألفاظ على رتب المعاني فلا يكون غزلك كافتخارك ، ولا مديحك كوعيدك ، ولا هجاؤك كاستبطائك ، ولا هزلك بمنزلة جدك ، ولا تعريضك مثل تصريحك ، بل ترتب كلّا مرتبته وتوفّيه حقه ، فتلطّف إذا تغزلت ، وتفخّم اذا افتخرت ، وتتصرف للمديح تصرّف مواقعه ، فانّ المدح بالشجاعة والبأس يتميز عن المدح باللباقة والظرف ، ووصف الحرب والسلاح ليس كوصف المجلس والمدام ، فلكل واحد من الأمرين نهج هو أملك به ، وطريق لا يشاركه الآخر فيه» (٨).
وعدّ المرزوقي «مشاكلة اللفظ للمعنى» أحد أبواب عمود الشعر وقال :
«وعيار مشاكلة اللفظ للمعنى وشدة اقتضائهما للقافية طول الدربة ودوام المدارسة فاذا حكما بحسن التباس بعضها ببعض لا جفاء في خلالها ولا نبوّ ولا زيادة فيها ولا قصور ، وكان اللفظ مقسوما على رتب المعاني قد جعل الأخصّ للأخص ، والأخسّ للأخس فهو البريء من العيب» (٩).
وقال المصري في تعريفه : «وتلخيص معنى هذه التسمية أن تكون ألفاظ المعنى المطلوب ليس فيها لفظة غير لائقة بذلك المعنى» (١٠).
وقال العلوي : «هو أن تكون الألفاظ لائقة بالمعنى المقصود ومناسبة له ، فاذا كان المعنى فخما كان اللفظ الموضوع له جزلا ، واذا كان المعنى رقيقا كان اللفظ رقيقا فيطابقه في كل أحواله ، وهما اذا خرجا على هذا المخرج وتلاءما هذه الملاءمة وقعا من البلاغة أحسن موقع ، وتألفا على أحسن شكل ، وانتظما في أوفق نظام. وهذا باب عظيم في علم البديع وجاء القرآن الكريم على هذا الاسلوب» (١١).
__________________
(١) الطراز ج ٣ ص ١٤٦ ـ ١٤٧ ، وينظر نفحات الأزهار ص ٣٣٥ ، شرح الكافية ص ٢٢٦.
(٢) البيان ج ١ ص ١٣٦.
(٣) البيان ج ١ ص ١٤٥.
(٤) البيان ج ٢ ص ٧ ـ ٨.
(٥) الحيوان ج ٣ ص ٣٩.
(٦) نقد الشعر ص ١٧١ وما بعدها.
(٧) تحرير التحبير ص ١٩٤ ، وخزانة الأدب ص ٤٣٧.
(٨) الوساطة ص ٢٤.
(٩) شرح ديوان الحماسة ج ١ ص ١١.
(١٠) تحرير التحبير ص ١٩٤ ، بديع القرآن ص ٧٧.
(١١) الطراز ج ٣ ص ١٤٤.