العدو (١).
والاغارة من السرقات ، قال الحاتمي : «وهو أن يسمع الشاعر المفلق والفحل المتقدم الأبيات الرائعة ندرت لشاعر في عصره وباينت مذاهبه في أمثالها من شعره ويكون بمذهب ذلك الشاعر المغير أليق وبكلامه أعلق فيغير عليها مصافحة ويستنزل شاعرها عنها قسرا بفضل الاغارة فيسلمها اليه اعتمادا لسلمه ومراقبة لحربه وعجزا عن مساجلة يمينه» (٢).
وقال ابن رشيق في باب السرقات : «الاغارة : أن يصنع الشاعر بيتا ويخترع معنى مليحا فيتناوله من أعظم منه ذكرا وأبعد صوتا فيروى له دون قائله كما فعل الفرزدق بجميل وقد سمعه ينشد :
ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا |
وإن نحن أومأنا الى الناس وقّفوا |
فقال : متى كان الملك في بني عذرة؟ إنما هو في مضر وأنا شاعرها ، فغلب الفرزدق على البيت ولم يتركه جميل ولا أسقطه من شعره ، وقد زعم بعض الرواة أنّه قال له : تجاف لي عنه ، فتجافى جميل عنه ، والأول أصح. فما كان هكذا فهو إغارة ، وقوم يرون أنّ الإغارة أخذ اللفظ بأسره والمعنى بأسره ، والسّرق أخذ بعض اللفظ أو بعض المعنى ، كان ذلك لمعاصر أو قديم» (٣). ونقل الصنعاني هذا الكلام (٤). وقال المظفر العلوي : «هي ادعاء اللفظ والمعنى من غير أن يفكر الشاعر او يتعنّى ، فما ذم شاعر في السرقات بأقبح منها» (٥) وقال : هي «أقبح وجوه السرقات وأشنعها وأدناها منزلة وأوضعها» (٦).
ومن الاغارة ما قاله ذو الرّمة : لقيت الفرزدق يوما فقلت له : لقد قلت أبياتا إنّ لها لعروضا ، وإنّ لها لمرادا ومعنى بعيدا. فقال لي : ما قلت؟ قلت : قلت :
أحين أعاذت بي تميم نساءها |
وجُرّدت تجريد اليماني من الغمد |
|
ومدّت بضبعيّ الرباب ومالك |
وعمر وشالت من ورائي بنو سعد |
|
ومن آل يربوع زهاء كأنّها |
دجى الليل محمود النكاية والورد |
فقال له الفرزدق : لا تعودنّ بها ، فأنا أحق بها منك.
فقال : والله لا أعود فيها أبدا وما أرويها إلا لك فهي في قصيدة الفرزدق التي يقول فيها :
وكنّا إذا القيسيّ نبّ عتوده |
ضربناه فوق الانثيين على الكرد |
وكان الأحوص بقباء فمرّ عليه موسى شهوات فأنشد قصيدة له حتى مرّ بهذا البيت :
وكذاك الزمان يذهب بالنا |
س وتبقى الديار والآثار |
فقال الأحوص على رويّها قصيدة أولها :
ضوء نار بدا لعينك أم شبّ |
ت بذي الأثل من سلامة نار |
فأدخل فيها هذا البيت فقال موسى شهوات : «ما رأيت مثلك يا أحوص ، أنشدتك قصيدة لي فذهبت بأفضل بيت فيها فقال الأحوص : «والله ما هو لي ولا لك ، وما هو إلا للبيد حيث يقول :
وكذاك الزمان يذهب بالنا |
س وتبقى الديار والآثار |
|
فعفا آخر الزمان عليهم |
فعلى آخر الزمان الديار (٧) |
الإغراب :
الإغراب هو الاستغراب وقد تقدم ، وذلك بأن يأتي
__________________
(١) اللسان (غور).
(٢) حلية المحاضرة ج ٢ ص ٣٩.
(٣) العمدة ج ٢ ص ٢٨٤.
(٤) الرسالة العسجدية ص ٥٤.
(٥) نضرة الأغريض ص ٤٤٥.
(٦) نضرة الاغريض ص ٢١٧.
(٧) حلية المحاضرة ج ٢ ص ٣٩ ـ ٤١.