يكون المعنى فوق منزلته».
وعقد ابن الزملكاني فصلا لفن سماه «الافراط والنزول» وقال : «إنّ هذا الغرض لا يوصف قاصده بالكذب إذ كان غرضه معلوما وكان متجوزا في مقاله غير قاصد الى البتّ به والقطع بمقتضاه» (١).
ومثّل له ببعض كلام الله من ذلك قوله : (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ)(٢). وعقد المصري بابا سماه «الإفراط في الصفة» وقال : «وهو الذي سمّاه قدامة المبالغة ، وسماه من بعده التبليغ ، وأكثر الناس على تسمية قدامة لأنّها أخفّ وأعرف» (٣) وتحدث في هذا الباب عن المبالغة بمعناها العام وقال إنّها جاءت في كتاب الله العزيز.
وقال القرطاجني : «هو أن يغلو في الصفة فيخرج بها عن حد الامكان الى الامتناع والاستحالة» (٤).
ولخّص التنوخي وابن قيم الجوزية وابن الأثير الحلبي ما ذكره ابن الأثير (٥) ، وقال الحلبي والنويري إنّ «المبالغة تسمى التبليغ والافراط في الصفة» (٦).
وسار العلوي على خطى ابن الأثير وقال إنّ الافراط الزيادة عن الحد أو هو «تجاوز الحد في المدح والذم وغيرهما من المقاصد» (٧) وقال إنّ في الاقتصاد مذهبين :
الاول : جوازه ، وقالوا : «إنّ أحسن الشعر أكذبه» بل أكذبه يكون أصدقه.
والثاني : منعه بعضهم وزعم أنّ للأمر حدودا ونهايات مما يدخل تحت الامكان فاما ما كان من الأمور مما لا يدخل تحت الامكان ولا يعقل وجوده فلا وجه له. وجوّزه العلوي على كل أحواله لأنّه «إذا كان جائز الوجود فهو معجب لا محالة لاشتماله على المبالغة في المدائح وأنواع الذم وإن لم يكن جائز الوجود فالاعجاب به أشد والملاحة فيه أدخل ، وقد ورد مثل ذلك في كتاب الله تعالى» (٨).
ومن أمثلة الافراط قول عنترة :
وأنا المنية في المواطن كلّها |
والطّعن مني سائق الآجال |
وقول بشار :
إذا ما غضبنا غضبة مضريّة |
هتكنا حجاب الشّمس أو قطّرت دما |
وقول المتنبي :
كأنّ الهام في الهيجا عيون |
وقد طبعت سيوفك من رقاد |
|
وقد صغت الأسنة من هموم |
فما يخطرن إلا في فؤاد |
وقول أبي نواس :
وأخفت أهل الشّرك حتى أنّه |
لتخافك النّطف التي لم تخلق |
الإفراط في الاستعارة :
هو الخروج عن حدّ الاستعمال والعادة ، وكان أبو تمام قد اتّهم بذلك لأنّه خرج على عمود الشعر في الاستعارة ، ولذلك قال الآمدي : «إنّ للاستعارة حدا تصلح فيه اذا جاوزته فسدت وقبحت» (٩). وقال : «وإنما استعارت العرب المعنى لما ليس هو له إذا كان يقاربه أو يناسبه أو يشبهه في بعض أحواله أو كان سببا من أسبابه فتكون اللفظة المستعارة حينئذ
__________________
(١) البرهان الكاشف ص ٣١٠.
(٢) النحل ٧٧.
(٣) تحرير التحبير ص ١٤٧ ، بديع القرآن ص ٥٤.
(٤) منهاج البلغاء ص ٧٦.
(٥) الأقصى القريب ص ١٠٠ ، الفوائد ص ٢٠٨ ، جوهر الكنز ص ١٣٩.
(٦) حسن التوسل ص ٢٣٤ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٢٤.
(٧) الطراز ج ٢ ص ٢٩٩ ، ٣١١.
(٨) الطراز ج ٢ ص ٣١٢.
(٩) الموازنة ج ١ ص ٢٥٩.