لائقة بالشيء الذي استعيرت له وملائمة لمعناه» (١).
وعابوا المتنبي لأنّه يفرط أحيانا في الاستعارة (٢) ، وإن كان لا يخرج على عمود الشعر كأبي تمام :
ومن قبيح استعارات أبي تمام قوله :
يا دهر قوّم من أخدعيك فقد |
أضججت هذا الأنام من خرقك (٣) |
وقوله :
فضربت الشتاء في أخدعيه |
ضربة غادرته عودا ركوبا (٤) |
وقوله :
تروح علينا كلّ يوم وتغتدي |
خطوب كأنّ الدهر منهن يصرع |
ومن افراط المتنبي في الاستعارة قوله :
مسرّة في قلوب الطيب مفرقها |
وحسرة في قلوب البيض واليلب (٥) |
وقوله :
تجمعت في فؤاده همم |
ملء فؤاد الزمان إحداها |
ولكنّ هذا اللون من الاستعارات ليس محظورا على الشاعر إذا كان مثل المتنبي أو أبي تمام.
الاقتباس :
يقال : قبست منه نارا أقبس قبسا فأقبسني أي :أعطاني منه قبسا ، وكذلك اقتبست منه نارا واقتبست منه علما أيضا أي : استفدته (٦).
فالاقتباس هو الأخذ والاستفادة ، وقد عرف هذا اللون من الأخذ منذ عهد مبكر وكانوا يسمون الخطبة التي لا توشّح بالقرآن الكريم بتراء. وروى الجاحظ عن عمران بن حطان انه قال : «إنّ أول خطبة خطبتها عند زياد ـ أو عند ابن زياد ـ فاعجب بها الناس وشهدها عمي وأبي ، ثم اني مررت ببعض المجالس فسمعت
رجلا يقول لبعضهم : هذا الفتى أخطب العرب لو كان في خطبته شيء من القرآن» (٧).
وقد عرّف الرازي الاقتباس بقوله : «هو أن تدرج كلمة من القرآن أو آية منه في الكلام تزيينا لنظامه وتضخيما لشأنه» (٨).
وقال الحلبي : «هو أن يضمن الكلام شيئا من القرآن أو الحديث ولا ينبّه عليه للعلم به» (٩) ، وذكر مثل ذلك النويري (١٠).
وقال ابن قيم الجوزية : «ويسمّى التضمين ، وهو أن يأخذ المتكلم كلاما من كلام غيره يدرجه في لفظه لتأكيد المعنى الذي أتى به أو ترتيب ، فان كان كلاما كثيرا أو بيتا من الشعر فهو تضمين وإن كان كلاما قليلا أو نصف بيت فهو إيداع» (١١) وعرّفه القزويني بمثل ما عرّفه الحلبي والنويري وأضاف قائلا : «لا على أنّه منه» (١٢). كقول الحريري : «فلم يكن إلا كلمح البصر أو هو أقرب حتى أنشد فاغرب» ، والاقتباس من الآية السابعة والسبعين من سورة النحل وهي : (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ.)
ومنه قول الحماسي :
__________________
(١) الموازنة ج ١ ص ٢٥٠.
(٢) الوساطة ص ٤٢٩.
(٣) الاخدعان ؛ مثنى الأخدع ، وهما عرقان في صفحتي العنق. الخرق ؛ الحمق.
(٤) العود ؛ المسن من الابل.
(٥) اليلب ؛ الدروع تتخذ من الجلود.
(٦) اللسان (قبس) والثعالبي كتاب «الاقتباس من القرآن الكريم».
(٧) البيان ج ٢ ص ١١٨ ، والرواية في ج ٢ ص ٦ أيضا.
(٨) نهاية الايجاز ص ١١٢ ، وينظر الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ١٩.
(٩) حسن التوسل ص ٣٢٣.
(١٠) نهاية الارب ج ٧ ص ١٨٢.
(١١) الفوائد ص ١١٧.
(١٢) الايضاح ص ٤١٦ ، التلخيص ص ٤٢٢.