الامور.
وقد عرفه ابن الأثير بقوله : «أن يكون المعنى المضمر في العبارة على حسب ما يقتضيه المعبّر عنه في منزلته» (١).
ولخص التنوخي وابن الأثير الحلبي وابن قيم الجوزية كلام ابن الأثير (٢) ، ونقل العلوي كثيرا منه وقال في الاقتصاد : «ومعناه أن يكون المعنى المتدرج تحت العبارة على حسب ما يقتضيه المعبّر عنه مساويا له من غير زيادة فيكون إفراطا ، ولا نقصان فيكون تفريطا» (٣). كقوله تعالى : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ. وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ. أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(٤).
فهذه الأوصاف على نهاية الاقتصاد والتوسط من غير إفراط ولا تفريط.
ومنه قول الفرزدق يمدح زين العابدين علي بن الحسين :
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته |
والبيت يعرفه والحلّ والحرم |
|
هذا ابن خير عباد الله كلّهم |
هذا التقيّ النقيّ الطاهر العلم |
|
يكاد يمسكه عرفان راحته |
ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم |
وقول البحتري :
فلو انّ مشتاقا تكلّف فوق ما |
في وسعه لسعى اليك المنبر |
الاقتصاص :
قصّ آثارهم يقصّها قصّا وقصصا وتقصّصا : تتّبعها بالليل ، وقيل : هو تتبّع الأثر أي وقت كان. ويقال :خرج فلان قصصا في أثر فلان وقصّا وذلك اذا اقتصّ أثره. وقيل : القاصّ يقصّ القصص لاتّباعه خبرا بعد خبر وسوقه الكلام سوقا (٥).
والاقتصاص كما عرّفه ابن فارس «هو أن يكون كلام في سورة مقتصّا من كلام في سورة أخرى أو في السورة معها» (٦) كقوله تعالى : (وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ)(٧) ، والآخرة دار الثواب لا عمل فيها فهذا مقتصّ : من قوله : (وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى)(٨).
ونقل الزركشي هذا الباب من ابن فارس وأشار الى ذلك (٩) ، وفعل مثله السيوطي (١٠).
وذكر العسكري الاقتصاص بمعنى سوق القصة ، قال : «واذا دعت الضرورة الى سوق خبر واقتصاص كلام فتحتاج الى أن تتوّخى فيه الصدق وتتحرّى الحق فانّ الكلام حينئذ يملكك ويحوجك الى اتباعه والانقياد له» (١١). وكان ابن طباطبا قد ذكر اقتصاص الخبر أو الحكاية عند كلامه على ما يضطر اليه الشاعر ، وقال : «على أنّ الشاعر إذا اضطر الى اقتصاص خبر في شعر دبّره تدبيرا يسلس له معه القول ويطرد فيه المعنى فبنى شعره على وزن يحتمل أن يخشى بما يحتاج الى اقتصاصه بزيادة من الكلام يخلط به أو نقص يحذف منه ، وتكون الزيادة
__________________
(١) المثل السائر ج ٢ ص ٣١٦ ، الجامع الكبير ص ٢٢٦.
(٢) الأقصى القريب ص ١٠٠ ، جوهر الكنز ص ١٣٩ ، الفوائد ص ٢٢٦.
(٣) الطراز ج ٢ ص ٣٠١.
(٤) البقرة ٢ ـ ٥.
(٥) اللسان (قصص).
(٦) الصاحبي ص ٢٣٩.
(٧) العنكبوت ٢٧.
(٨) طه ٧٥.
(٩) البرهان في علوم القرآن ج ٣ ص ٢٩٧.
(١٠) الاتقان ج ٢ ص ٨٨.
(١١) كتاب الصناعتين ص ١٤٧.