والنقصان يسيرين غير مخدجين لما يستعان فيه بهما وتكون الالفاظ المزيدة غير خارجة من جنس ما يقتضيه بل تكون مؤيدة له وزائدة في رونقه وحسنه (١). ومثل له بقصيدة الأعشى فيما اقتصه من خبر السّموأل والتي قال فيها :
كن كالسّموأل إذ طاف الهمام به |
في جحفل كزهاء الليل جرّار |
ثم قال ابن طباطبا بعد الأبيات : «فانظر الى استواء هذا الكلام وسهولة مخرجه وتمام معانيه وصدق الحكاية فيه ووقوع كل كلمة موقعها الذي أريدت له من غير حشد مجتلب ولا خلل شائن ، وتأمل لطف الأعشى فيما حكاه في قوله : «أأقتل ابنك صبرا أو تجيء بها» فاضمر ضمير الهاء في قوله : «واختار أدرعه أن لا يسب بها» فتلافى ذلك الخلل بهذا الشرح فاستغنى سامع هذه الأبيات عن استماع القصة فيها لاشتمالها على الخبر كله بأوجز كلام وأبلغ حكاية وأحسن تأليف وألطف إيماءة» (٢).
وقال المصري : «هو أن يقتص المتكلم قصة بحيث لا يغادر منها شيئا في ألفاظ قليلة موجزة جدا بحيث لو اقتصها غيره ممن لم يكن في مثل طبقته من البلاغة أتى بها في أكثر من تلك الالفاظ. وأكثر قصص الكتاب العزيز من هذا القبيل كقصة موسى ـ عليهالسلام ـ في طه ، فان معانيها أتت بألفاظ الحقيقة تامة غير محذوفة وهي مستوعبة في تلك الالفاظ.
وقد رأيت أكثر العلماء على تقديم الأعشى في اقتصاصه قصة السموأل في أدرع امرىء القيس الشاعر التي أودعها عنده لما قصد قيصر ووفاء السّموأل بها حتى سلمها لأهل امرىء القيس وبذل دونها دم ولده وهو يشاهده» (٣). ومن ذلك قول النابغة في اقتصاصه قصة الزرقاء للنعمان (٤) والتي منها :
فاحكم كحكم فتاة الحيّ إذ نظرت |
الى حمام شراع وارد الثّمد |
لقد تحدث المصري عن الاقتصاص في باب الايجاز ، وتحدث عنه في باب التنظير أيضا (٥) ، وتكلم ابن فارس والزركشي والسيوطي عليه في فصول خاصة اتخذت من هذا المصطلح عنوانا.
الاقتضاب :
القضب : القطع ، قضبه يقضبه قضبا واقتضبه وقضّبه فانقضب وتقضّب : انقطع ، واقتضب الحديث : انتزعه واقتطعه ، واقتضاب الكلام :
ارتجاله (٦) قال العسكري : «الاقتضاب أخذ القليل من الكثير ، وأصله من قولهم : «اقتضبت الغصن» إذا قطعته من شجرته ، وفيه معنى السرعة أيضا» (٧).
والاقتضاب عند بعضهم (٨) الاشتقاق الذي تقدم.
وله معنى آخر أشار اليه البلاغيون كابن الاثير وهو خلاف التخلص وذلك «أن يقطع الشاعر كلامه الذي فيه ويستأنف كلاما آخر غيره من مديح أو هجاء أو غير ذلك ولا يكون للثاني علاقة بالأول.
وهو مذهب العرب ومن يليهم من المخضرمين ، وأما المحدثون فانهم تصرفوا في التخلص فأبدعوا فيه وأظهروا منه كل غريبة» (٩). وقال التنوخي : «وأما الاقتضاب فالانتقال من كلام الى غيره بكلمة تدلّ على الانتقال من غير أن يعلق بعض الكلام ببعض ، وهو غالبا بقولهم : «أما بعد» وقولهم : «وبعد» وبكلمات كثيرة غيرهما. وقد سمي هذا «فصل
__________________
(١) عيار الشعر ص ٤٣.
(٢) عيار الشعر ص ٤٥.
(٣) تحرير التحبير ص ٤٥٩.
(٤) تحرير ص ٤٦٤.
(٥) تحرير ص ٤٥٩ ، بديع القرآن ص ٢٣٩.
(٦) اللسان (قضب).
(٧) كتاب الصناعتين ص ٣٩.
(٨) حدائق السحر ص ١٠٣ ، الفوائد ص ٢٢٠ ، حسن التوسل ص ١٩٣ ، نهاية الارب ج ٧ ص ٩٥.
(٩) المثل السائر ج ٢ ص ٢٥٩ ، الجامع الكبير ص ١٨١.