وذكر السيوطي ما قاله ابن رشيق ، ذلك أنّ الحذف على أنواع أحدهما الاكتفاء وهو «أن يقتضي المقام ذكر شيئين بينهما تلازم وارتباط فيكتفي بأحدهما عن الآخر لنكتة ويختص غالبا بالارتباط العطفي كقوله تعالى : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ)(١) ، أي : والبرد.
وخصّ الحرّ بالذكر لأنّ الخطاب للعرب وبلادهم حارة والوقاية عندهم من الحر أهم لأنه أشد عندهم من البرد. وقيل : لأنّ البرد تقدم ذكر الامتنان بوقايته صريحا في قوله : (وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها)(٢).
ولخّص السيوطي في كتابه «شرح عقود الجمان» ما ذكره الحموي في خزانته وذكر بعض أمثلته.
وقال المدني : «إنّ الاكتفاء ضرب من الايجاز وهو نوعان : نوع يكون بكلمة فأكثر ، ونوع يكون ببعض الكلمة. فالأول «هو أن يقتضي المقام ذكر شيئين بينهما تلازم وارتباط فيكتفي بأحدهما عن الآخر لنكتة ولا يكون المكتفى عنه إلا آخرا لدلالة الأول عليه ، وذلك الارتباط قد يكون بالعطف وهو الغالب» (٣) كقوله تعالى : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ)(٤). وقد يكون بالشرط وجوابه كقوله تعالى :(فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ)(٥) ، أي : فافعل. وقد يكون بالقسم بدأ به كقوله تعالى : (وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً. وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً. وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً. فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً. فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً)(٦) أي : لتبعثنّ. وقد يكون بطلب الفعل للمتعلق كقوله تعالى : (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً)(٧) أي بسيء ، «وآخر سيئا» أي بصالح. أو بطلبه للمفعول كقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ)(٨) ، أي : إلها.
وقد يكون بطلب حرف الشرط لجملة الشرط وجوابه كقول الشاعر :
قالت بنات العم يا سلمى وإن |
كان فقيرا معدما قالت : وإن |
أي : وإن كان كذلك رضيته أيضا.
وقد يكون بالاسمية والخبرية لـ «إنّ» وأمثالها كقول الشاعر :
ويقلن شيب قد علاك |
وقد كبرت فقلت : إنّه |
أي : أنه كذلك.
وعلّق المدني على تعريف صفي الدين الحلي وهو قريب من تعريف الحموي بانه «شامل لنوعي الاكتفاء غير أنه لا يشمل الاكتفاء في النثر كما هو ظاهر ، والحدّ الذي ذكرناه شامل للنظم والنثر معا» (٩).
وأما النوع الثاني من الاكتفاء وهو الذي يكون ببعض الكلمة فهو «حذف بعض حروف القافية من آخرها لدلالة الباقية عليه» ثم قال : «واحترزنا بالقافية عن غيرها كقوله :
فنعم الفتى تعشو الى ضوء ناره |
طريف بن مال ليلة الجوع والحصر |
أي : ابن مالك. وبقولنا : «من آخرها» عن مثل قوله :
غرثى الوشاحين صموت الخلخل
أي : الخلخال. فلا يسمى ذلك اكتفاء عند البديعيين.
وقد يسمى في غير هذا العلم بالاقتطاع ولا يختص بالقافية. وسماه ابن جني في كتاب التعاقب بالايحاء وعقد له بابا فقال في باب الايحاء : «هو الاكتفاء عن
__________________
(١) النحل ٨١.
(٢) النحل ٨٠. ينظر الاتقان ج ٢ ص ٦١ ، ومعترك ج ١ ص ٣٢٠ ، شرح الكافية ص ١٠٥.
(٣) أنوار الربيع ج ٣ ص ٧١. وينظر المنزع البديع ص ١٨٨ ، الروض المريع ص ١٤٣.
(٤) النحل ٨١.
(٥) الأنعام ٣٥.
(٦) النازعات ١ ـ ٥.
(٧) التوبة ١٠٢.
(٨) الأعراف ١٥٢.
(٩) أنوار الربيع ج ٣ ص ٧٣.