الكلمة بحرف من أولها». وسماه ابن فارس في فقه اللغة بالقبض ، وهو وارد في القرآن والحديث وكلام العرب» (١) ونقل بعض أمثلة القبض والاقتطاع التي ذكرها ابن فارس والسيوطي ، كقول الشاعر :
قواطنا مكّة من ورق الحما
أي : الحمام. وقول الآخر :
ليس حيّ على المنون بخال
أي : بخالد.
ومنه قول القاضي الفاضل :
لعبت جفونك بالقلوب وحبّها |
والخدّ ميدان وصدغك صولجا |
أي : صولجان. ومثل ذلك يكون بلا تورية ، أما الاكتفاء مع التورية فكقول ابن نباتة :
بروحي أمر الناس نأيا وجفوة |
وأحلاهم ثغرا وأملحهم شكلا |
|
يقولون في الاحلام يوجد شخصه |
فقلت : ومن ذا بعده يجد الأحلا |
أي : الأحلام ، ولكنه ورّى عن الجمال أيضا.
الإكثار :
الكثرة : نقيض القلة ، وأكثره جعله كثيرا (٢).
وقد جعله الأدباء من سمات بعض الكلام الذي لا يكون موجزا فقال جعفر البرمكي : «إذا كان الاكثار أبلغ كان الايجاز تقصيرا ، واذا كان الايجاز كافيا كان الاكثار عيا» (٣). أي أنّ البلاغة هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال ولذلك كان استعمال الاكثار في مكانه من أسباب البلاغة أي أنّه ليس عيبا في موضعه ولكن إذا كان الايجاز كافيا كان الاكثار عيا. قال الجاحظ وهو يتحدث عن إياس بن معاوية : «فان كان إياس عند نفسه عييا فذاك أجدر بان يهجر الاكثار. وبعد فما نعلم أحدا رمى إياسا بالعي وانما عابوه بالاكثار» (٤).
الإكمال :
الكمال : التمام ، وقيل : التمام الذي تجزأ منه أجزاؤه ، واكملت الشيء أي أجملته وأتممته ، وأكمله هو واستكمله وكمله : أتمه وجمله ، والاكمال : التمام (٥).
قال العلوي : «وهو إفعال من أكمل الشيء إذا حصّله على حالة لا زيادة عليها في تمامه. وهو في مصطلح علماء البيان مقول على أن تذكر شيئا من أفانين الكلام فترى في إفادته المدح كأنه ناقص لكونه موهما بعيب من جهة دلالة مفهومه فتأتي بجملة فتكمله بها تكون رافعة لذلك العيب المتوهم. وهذا مثاله أن تذكر من كان مشهورا بالشجاعة دون الكرم ومن كان عالما بالبلاغة دون سداد الرأي ونفاذ العزيمة فترى في ظاهر الحال أنّه ناقص بالاضافة الى عدم تلك الصفة المفقودة عنه فتذكر كلاما يكمل المدح ويرفع التوهم كما قال كعب بن سعد الغنوي في ذلك :
حليم إذا ما الحلم زيّن أهله |
مع الحلم في عين العدو مهيب |
فانه لو اقتصر على قوله : «حليم إذا ما الحلم زين أهله» لأوهم الى السامع أنّه غير واف بالمدح ؛ لأنّ كل من لا يعرف منه إلا الحلم ربما طمع فيه عدوه فنال منه ما يذم به ، فلما كان ذلك متوهما عند إطلاقه أردفه بما يكون رافعا للاحتمال مكملا للفائدة بوصف الحلم ، وهو قوله : «مع الحلم في عين العدو مهيب» ليدفع به ما ذكرناه من التوهم.
وكقول السموأل بن عادياء :
__________________
(١) أنوار ج ٣ ص ٨٣ ؛ الصاحبي ص ٢٢٨.
(٢) اللسان (كثر).
(٣) عيون الأخبار ج ٢ ص ١٧٤.
(٤) البيان ج ١ ص ٩٩.
(٥) اللسان (كمل).