لا أذيل الآمال بعدك إنّي |
بعدها بالآمال حقّ بخيل |
|
كم لها وقفة بباب كريم |
رجعت من نداه بالتعطيل |
ثم قال :
لم يضرها والحمد لله شيء |
وانثنت نحو عزف نفس ذهول |
فتفقد النصف الأخير من هذا البيت فانك ستجد بعض ألفاظه يتبرأ من بعض. وأنشدني أبو العاصي قال : أنشدني خلف الأحمر في هذا المعنى :
وبعض قريض القوم أولاد علّة |
يكدّ لسان الناطق المتحفظ (١) |
وقال أبو العاصي : وأنشدني في ذلك أبو البيداء الرياحي :
وشعر كبعر الكبش فرّق بينه |
لسان دعيّ في القريض دخيل |
أما قول خلف : «وبعض قريض القوم أولاد علّة» فانه يقول : إذا كان الشعر مستكرها وكانت ألفاظ البيت من الشعر لا يقع بعضها مماثلا لبعض ، كان بينها من التنافر ما بين أولاد العلّات. واذا كانت الكلمة ليس موقعها الى جنب أختها مرضيا موافقا كان على اللسان عند إنشاد ذلك الشعر مؤونة.
قال : وأجود الشعر ما رأيته متلاحم الأجزاء ، سهل المخارج ، فتعلم بذلك أنّه قد أفرغ إفراغا واحدا وسبك سبكا واحدا ، فهو يجري على اللسان كما يجري الدهان (٢). وذكر ما لا تتباين الفاظه ولا تتنافر أجزاؤه ، ومن ذلك قول أبي حيّة النميري :
رمتني وستر الله بيني وبينها |
عشيّة آرام الكناس رميم |
|
رميم التي قالت لجارات بيتها |
ضمنت لكم ألّا يزال يهيم |
|
ألا ربّ يوم لو رمتني رميتها |
ولكنّ عهدي بالنضال قديم |
فهذه الأبيات من الشعر المتلائم الجميل.
وذكر الرماني مثل ما ذكر الجاحظ حينما تحدث عن التلاؤم وجاء بأمثلته أيضا وقال إنّ «المتلائم في الطبقة العليا القرآن كله» (٣). ونقل ابن رشيق كلام الجاحظ في باب النظم (٤).
الالتجاء :
لجأ الى الشيء والمكان يلجأ لجأ ولجوء وملجأ ولجيء والتجأ وألجأت أمري الى الله أسندت.
والتجأت وتلجأت إذا استندت اليه واعتضدت به أو عدلت عنه الى غيره كأنه إشارة الى الخروج والانفراد (٥).
وقال ابن منقذ : «هو أن تستعمل اللفظة في غير موضعها من المعنى» (٦) ، وربط المعاظلة بالالتجاء في باب واحد ، وقال : إنّ ذلك مثل قول بعض العرب :
وذات هدم عار نواشرها |
تصمت بالماء تولبا جدعا (٧) |
سمّى الطفل تولبا ، والتولب الجحش.
ومنه قول الفرزدق :
فلو كنت ضبيا عرفت قرابتي |
ولكنّ زنجيا عظيم المشافر |
لأنّه استعار المشافر للانسان وإنما هي للجمال لا للرجال.
__________________
(١) أولاد علة ؛ بنو رجل واحد من أمهات شتى.
(٢) البيان ج ١ ص ٦٥.
(٣) النكت في إعجاز القرآن ص ٨٨.
(٤) العمدة ج ١ ص ٢٥٧.
(٥) اللسان (لجأ).
(٦) البديع في نقد الشعر ص ١٥٨.
(٧) الهدم ـ بكسر الهاء ـ الكساء إذا ضوعفت رقاعه. النواشر ؛ عصب الذراع.