وقال ابن شيث القرشي : «هو أن يضطر الكاتب الى أن يأتي بلفظة غير مستعملة في الذي هو بصدده فيقيمها مقام المستعملة. ومثاله : «فما المعشاق عدمت سلوها والمقلات (١) فقدت فلوها إلا دون ما أنا عليه من الوجد به والغرام». فاستعمل «فلوها» في مكان «ولدها» حتى قابل بها «سلوها» وهو محتمل وربما كان جيدا. وفي الشعر :
ليبكك الشّرب والمدامة وال |
إخوان طرا وطامع طمعا |
|
وذات هدم باد نواشرها |
تصمت بالماء تولبا جدعا (٢) |
وهذا ما سماه عبد القاهر الاستعارة غير المفيدة (٣) وقد تقدمت.
الالتزام :
الالتزام هو الارتباط بالشيء ، يقال : لزم الشيء يلزمه والتزمه وألزمه إياه فالتزمه ، ورجل لزمة : يلزم الشيء فلا يفارقه (٤).
والالتزام في البلاغة هو «الاعنات» وقد تقدم ، ويسمى التضييق أو التشديد أو لزوم ما لا يلزم ، وهذا الأخير أكثر استعمالا في كتب البلاغة. وممن سماه «التزاما» ابن مالك والمصري والحموي والسيوطي والمدني (٥).
الالتفات :
لفت وجهه عن القوم : صرفه ، والتفت التفاتا ؛ والتلفت أكثر منه ، وتلفت الى الشيء والتفت اليه صرف وجهه اليه ، ويقال : لفت فلانا عن رأيه أي صرفته عنه ومنه الالتفات (٦).
والالتفات من الأساليب العريقة في اللغة العربية وقد عرفه الجاهليون كامريء القيس الذي قال :
تطاول ليلك بالاثمد |
ونام الخليّ ولم ترقد |
|
وبات وباتت له ليلة |
كليلة ذي العائر الأرمد |
|
وذلك من نبأ جاءني |
وخبرته عن أبي الأسود |
قال الزمخشري : «وقد التفت امرؤ القيس ثلاث التفاتات في ثلاثة أبيات» (٧) ، ثم قال : «وتلك على عادة افتنانهم في الكلام وتصرفهم فيه ، ولأنّ الكلام إذا نقل من أسلوب الى أسلوب كان ذلك أحسن تطرية لنشاط السامع وايقاظا للاصغاء اليه من إجرائه على أسلوب واحد ، وقد تختص مواقعه بفوائد» (٨).
وجاء الالتفات في كتاب الله العزيز ، وأول سورة فيه تحمل هذا اللون من التعبير فقد قال سبحانه وتعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ. إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)(٩). فقد التفت من الغيبة الى الخطاب. وجاء في كلام العرب ، وقد انتبه القدماء لمثل هذا الاسلوب وذكره الفراء ولم يسمّه (١٠).
وذكره أبو عبيدة وقال : «والعرب قد تخاطب فتخبر عن الغائب والمعنى للشاهد فترجع الى
__________________
(١) المقلات ؛ المرأة التي لا يعيش لها ولد.
(٢) معالم الكتابة ص ٧٩.
(٣) ينظر أسرار البلاغة ص ٣٠.
(٤) اللسان (لزم).
(٥) المصباح ص ٨١ ، تحرير التحبير ص ٥١٧ ، بديع القرآن ص ٢٢٧ ، خزانة الادب ص ٤٣٤ ، معترك ج ١ ص ٥١ ، شرح عقود الجمان ص ١٥٥ ، أنوار الربيع ج ٦ ص ٩٣ ، نفحات ص ٣١٦ ، شرح الكافية ص ٢٠٣.
(٦) اللسان (لفت).
(٧) الكشاف ج ١ ص ١١.
(٨) الكشاف ج ١ ص ١٢.
(٩) الفاتحة ٢ ـ ٥.
(١٠) معاني القرآن ج ١ ص ٦٠ ، ١٩٥ ، ٤٦٠.
وينظر جمهرة أشعار العرب ص ١٣.