الالتفات نوع غير النوعين المتقدمين وهو أن يكون المتكلم آخذا في معنى فيمر فيه الى أن يفرغ من التعبير عنه على وجه ما فيعرض له أنه متى اقتصر على هذا المقدار كان معناه مدخولا من وجه غير الوجه الذي بنى معناه عليه فيلتفت الى الكلام فيزيد فيه ما يخلّص معناه من ذلك الدخل كقول شاعر الحماسة :
فانّك لم تبعد على متعهد |
بلى كلّ من تحت التراب بعيد |
فانّ هذا الشاعر بنى معناه على أنّ المقبور قريب من الحي الذي يريد تعاهده بالزيارة إذ القبور بأفنية البيوت غالبا ، فلما فرغ من العبارة عن معناه الذي قدّره على هذا التقدير عرض له كأنّ قائلا يقول له : وأي قرب بين الميت المدفون تحت التراب والحي فالتفت متلافيا هذا الغلط بقوله : «بلى كل من تحت التراب بعيد» كأنّ هذا الشاعر بنى معناه على أنّ المقبور الى بعد» (١). وهذا ما سموه الاعتراض والرجوع.
وقال المصري : «والفرق بين الاحتراس والالتفات أنّ الاعتراض والانفصال يكونان في بيت واحد وفي بيتين وفي آية وفي آيتين ، والالتفات لا يكونان فيه إلا في بيت واحد وآية واحدة» (٢).
الالتقاط :
اللّقط أخذ الشيء من الأرض ، لقطه يلقطه لقطا والتقطه : أخذه من الارض واللقطة : اسم الشيء الذي تجده ملقى فتأخذه (٣).
والالتقاط والتلفيق من أنواع السرقات وقد جمعهما الحاتمي في باب واحد وقال : «وهي ترقيع الالفاظ وتلفيقها واجتذاب الكلام من أبيات حتى ينظم بيتا» (٤). ومن التلفيق قول يزيد بن الطثرية :
إذا ما رآني مقبلا غضّ طرفه |
كأنّ شعاع الشّمس دوني يقابله |
فقوله : «إذا ما رآني مقبلا» من قول جميل :
إذا ما رأوني طالعا من ثنيّة |
يقولون من هذا وقد عرفوني |
وقوله : «غضّ طرفه» من قول جرير :
فغضّ الطرف إنّك من نمير |
فلا كعبا بلغت ولا كلابا |
وقوله : «كأنّ شعاع الشمس دوني تقابله» من قول عنترة بن عكبرة الطائي :
إذا أبصرتني أعرضت عني |
كأنّ الشمس من قبلي تدور |
ومن الالتقاط والترقيع قول ابن هرمة :
كأنّك لم تسر بجنوب خلص |
ولم تلمم على الطّلل المحيل |
التقطه ولفقه من بيتين أحدهما قول جرير :
كأنك لم تسر ببلاد نعم |
ولم تنظر بناظره الخياما |
فصدر بيت ابن هرمة من صدر البيت ، وعجزه من قول الكميت :
ألم تلمم على الطّلل المحيل |
بفيد وما بكاؤك بالطلول |
وقال الحاتمي : «وممن كان يرقع ويلفق مع سعة صدره وغزارة بحره أبو نواس فمن ذلك قوله :
أشمّ طوال الساعدين كأنّما |
يناط نجادا سيفه بلواء |
__________________
(١) تحرير التحبير ص ١٢٥.
(٢) تحرير ص ١٢٦.
(٣) اللسان (لقط).
(٤) حلية المحاضرة ج ٢ ص ٩٠.