ليس فيه خروج على اللغة والوزن يدخل في هذا الباب.
الائتلاف مع الاختلاف :
هو الصنف السابع من الائتلاف عند ابن مالك ، والصنف الرابع عند العلوي (١) وهو ضربان :
الأول : ما كانت المؤتلفة فيه بمعزل عن المختلفة وأحدهما منتهى عن الآخر ، ومثاله قول الشاعر :
أبى القلب أن يأتي السدير وأهله |
وإن قيل عيش بالسدير غرير |
|
بك البقّ والحمّى وأسد تحفّه |
وعمرو بن هند يعتدي ويجوز |
الثاني : ما كانت المؤتلفة فيه مداخلة للمختلفة كقول العباس بن الأحنف يهجو قوما :
وصالكم هجر وحبّكم قلى |
وعطفكم صدّ وسلمكم حرب |
فكل واحد من هذه مقرون مع ضدّه ، مؤلف معه.
ولم يذكر الحموي هذا النوع وإنّما تحدث عن ائتلاف اللفظ مع المعنى ، وائتلاف اللفظ مع الوزن ، وائتلاف المعنى مع الوزن ، وائتلاف اللفظ مع اللفظ ، وتحدث المدني عن هذه الأربعة الى جانب ائتلاف المعنى مع المعنى ، وبذلك يكون ابن مالك والعلوي قد انفردا بهذا الفن كما تذكر المصادر التي بين أيدي الباحثين.
ائتلاف المعنى مع المعنى :
وهذا الفن قسم من المناسبة المعنوية ، وهو قسمان :
الأول : أن يشتمل الكلام على معنى معه أمران ، أحدهما ملائم والآخر بخلافه فيقرن بالملائم ، كما قال المتنبي :
فالعرب منه مع الكدريّ طائرة |
والروم طائرة منه مع الحجل |
فان «الكدريّ» ـ وهو ضرب من القطا ـ من طير السهل ، والعرب بلادها المفاوز ، فقارن بينهما لمكان هذه الملاءمة الدقيقة. والحجل من طير الجبل ، والروم بلادها الجبال ، فقارن بينهما لهذا التناسب الدقيق.
الثاني : أن يشتمل الكلام على معنى وملائمين له فيقرن به منهما ما لاقترانه به مزيّة كما في قول المتنبي :
وقفت وما في الموت شكّ لواقف |
كأنّك في جفن الرّدى وهو نائم |
|
تمرّ بك الابطال كلمى هزيمة |
ووجهك وضّاح وثغرك باسم |
فان عجز كل من البيتين يلائم كلا الصدرين وصالح لان يؤلف معه ، ولكن الشاعر اختار ما أورده لأمرين :
أحدهما : ان قوله «كأنك في جفن الردى وهو نائم» مسوق لتمثيل السلامة في مقام العطب فجعله مقررا للوقوف والبقاء في موضع يقطع على صاحبه بالهلاك ، أنسب من جعله مقررا لثباته في حال مرور الابطال به مهزومة.
وثانيهما : انّ في تأخير قوله : «ووجهك وضّاح وثغرك باسم» تتميما للوصف وتفريعا على الأصل اللذين يفوتان بالتقديم. فالوصف هو ثباته في الحرب ، والتتميم هو أنّ ثباته في الحرب لاحتقاره كل خطب عظيم كما يفيده وضاحة الوجه وتبسم الثغر في ذلك الموقف ، لا لضرورة فقدان المهرب. والتفريع على الاصل هو أنّ وضاحة وجهه وابتسام ثغره عند مرور الابطال مكلومين مهزومين فرع ثباته في الحرب حين لا شكّ لواقف في الموت ، والردى محيط به من جميع الجوانب ثم انه يسلم منه.
واستنشد سيف الدولة المتنبي يوما قصيدته التي أولها :
__________________
(١) المصباح ١١٨ ، الطراز ج ٣ ص ١٥٠.