الكلام ممثل بمن ألجم نفسه بلجام (١).
وإلجام الخصم بالحجة هو الاحتجاج النظري وقد تقدم ، أو المذهب الكلامي وقد سماه الزركشي «الجام الخصم بالحجة» وقال : «هو الاحتجاج على المعنى المقصود بحجة عقلية تقطع المعاند له فيه.
والعجب من ابن المعتز في بديعه حيث أنكر وجود هذا النوع في القرآن وهو من أساليبه» (٢).
الألغاز :
ألغز الكلام وألغز فيه : عمّى مراده وأضمره على خلاف ما أظهره ، واللغز : ما ألغز من كلام فشبّه معناه ، واللغز : الكلام الملبّس ، وقد ألغز في كلامه يلغز إلغازا إذا ورّى فيه وعرّض ليخفى. واللغز واللغيزى والالغاز : حفرة يحفرها اليربوع في جحرة تحت الأرض (٣).
وكان الخليل بن احمد الفراهيدي قد ذكره فقال : «رأيت أعرابيا يسأل أعرابيا عن البلصوص ما هو؟ فقال : طائر. قال : فكيف تجمعه؟ قال : البلنصى. قال الخليل : «فقد ألغز رجاز فقال : «فما البلصوص يتبع البلنصى» كان لغزا» (٤). وعقد الجاحظ بابا في اللغز والجواب (٥) ، ولكنّ ذلك أقرب الى اسلوب الحكيم.
وقال الحاتمي : «وإنّما سمي اللغز لغزا ؛ لأنّ اللغز والالغاز ما خفي مذهبه وبعد مطلبه مأخوذ من الارض اللغز واللغيزى وهي الخفية» (٦) ، وهذا تعريف لغوي ، ولكنّ ابن وهب قال عنه : «هو قول استعمل فيه اللفظ المتشابه طلبا للمعاياة والمحاجة. والفائدة في ذلك في العلوم الدنيوية رياضة الفكر في تصحيح المعاني واخراجها من المناقضة والفساد الى معنى الصواب والحق وقدح الفطنة في ذلك واستنجاد الرأي في استخراجها» (٧). وذلك مثل قول الشاعر :
ربّ ثور رأيت في جحر نمل |
ونهار في ليلة ظلماء |
فالثور ههنا القطعة من الأقط وهي اللبن اليابس ، والنهار فرخ الحبارى ، فاذا استخرج هذا صحّ المعنى ، واذا حمل على ظاهر لفظه كان محالا.
وقال الخفاجي : «إن الموضوع على وجه الالغاز قد قصد قائله إغماض المعنى وإخفاءه وجعل ذلك فنا من الفنون التي يستخرج بها أفهام الناس وتمتحن أذهانهم» (٨) وذكر أنّ شيخه أبا العلاء المعري كان يستحسن هذا الفن ويستعمله في شعره كثيرا ، ومنه قوله :
وجبت سرابيّا كأنّ إكامه |
جوار ولكن مالهنّ نهود |
|
تمجّس حرباء الهجير وحوله |
رواهب خيط والنهار يهود |
فألغز بقوله : «جوار» عن الجواري من الناس ، وهو يريد كأنهن يجرين في السراب. وبقوله : «نهود» عن نهود الجواري ، وهو يريد بنهود «نهوض» أي كأنهنّ يجربن في السراب ومالهن على الحقيقة نهوض. وأراد بقوله : «تمجّس حرباء» أي صار لاستقباله الشمس كالمجوس التي تعبدها وتسجد لها وجعل الرواهب النعام لسوادها ، ويهود : يرجع ، وهو يلغز بذلك عن اليهود لمّا ذكر المجوس والرواهب.
والالغاز عند ابن الاثير الاغاليط من الكلام أو الأحاجي وقد يسمى المعمّى قال : «وأما اللغز والاحجية فانّهما شيء واحد ، وهو كل معنى يستخرج بالحدس والحزر لا بدلالة اللفظ حقيقة ومجازا ولا يفهم من عرضه لأنّ قول القائل في
__________________
(١) اللسان (لجم).
(٢) البرهان في علوم القرآن ج ٣ ص ٤٦٨.
(٣) اللسان (لغز).
(٤) مراتب النحويين ص ٦٣.
(٥) البيان ج ٢ ص ١٤٧.
(٦) حلية المحاضرة ج ٢ ص ١٧٨.
(٧) البرهان في وجوه البيان ص ١٤٧.
(٨) سر الفصاحة ص ٢٦٥.