الضرس :
وصاحب لا أملّ الدهر صحبته |
يشقى لنفعي ويسعى سعي مجتهد |
|
ما إن رأيت له شخصا فمذ وقعت |
عيني عليه افترقنا فرقة الأبد |
لا يدلّ على أنّه الضرس لا من طريق الحقيقة ولا من طريق المجاز ولا من طريق المفهوم ، وإنّما شيء يحدس ويحزر» (١).
وسمّاه المصري «الالغاز والتعمية» وقال : إنّ الإلغاز يسمى المحاجاة ، والتعمية أعم أسمائه وهو : «أن يريد المتكلم شيئا فيعبر عنه بعبارات يدل ظاهرها على غيره وباطنها عليه ، وهو يكون في النثر والشعر» (٢).
والالغاز عند العلوي الأحجية قال : «وهو ميلك بالشيء عن وجهه ، واشتقاقه من قولهم : «طريق لغز» إذا كان يلتوي ويشكل على سالكه ويقال له المعمّى أيضا (٣) وذكر البيتين السابقين في الضرس وعلّق عليهما بمثل تعليق ابن الاثير. ومن ذلك وصف المتنبي للسفن في قصيدته التي يمدح بها سيف الدولة عند ذكره لصورة الفرات :
وحشاه عادية بغير قوائم |
عقم البطون حوالك الألوان |
|
تأتي بما سبت الخيول كأنّها |
تحت الحسان مرابض الغزلان |
وذكر بعضهم أنّ الالغاز وقع في القرآن الكريم وجعل منه ما جاء في أوائل السور من الحروف المفردة والمركبة ، ومنه قوله تعالى في قصة ابراهيم ـ عليهالسلام ـ لما سئل عن كسر الأصنام وقيل له : أنت فعلته؟ فقال : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا)(٤) قابلهم بهذه المعارضة ليقيم عليهم الحجة ويوضح لهم المحجة (٥).
ولا يخرج كلام الحموي والسيوطي والمدني (٦) عما ذكره المتقدمون.
الإلمام :
ألمّ إلماما أي : اقترب منه ، وقد ألمّ به أي نزل ، والإلمام : النزول ، والزيارة غبّا (٧) ، والالمام بالشيء معرفته ، وتجيء بمعنى انه لم يتعمق فيه. والالمام من السرقات ، قال ابن رشيق إنه «ضرب من النظر» (٨) ، ومثل له بقول أبي الشيص :
أجد الملامة في هواك لذيذة |
حبّا لذكرك فليلمني اللّوّم |
وقول المتنبي :
أأحبه وأحبّ فيه ملامة |
إنّ الملامة فيه من أعدائه |
وقال عنهما ابن رشيق في باب التغاير : «وهذا عند الجرجاني هو النظر والملاحظة وهو يعدّه في باب السرقات» (٩). وكان القاضي الجرجاني قد علق على البيتين بقوله : «ومن لطيف السرق ما جاء به على وجه القلب وقصد به النقض» (١٠).
وللالمام معنى آخر ، قال ابن شيث القرشي : «الالمام : وهو مصدر قولك : «ألمّ يلم إلماما» واللمم الصغيرة والكبيرة من الذنوب ، وهو أن يلم الكاتب في صدر كلامه بكلمة ثم يبني عليها فصلا
__________________
(١) المثل السائر ج ٢ ص ٢٢٤.
(٢) تحرير التحبير ص ٥٧٩.
(٣) الطراز ج ٣ ص ٦٦.
(٤) الأنبياء ٦٣.
(٥) البرهان في علوم القرآن ج ٣ ص ٢٩٩.
(٦) خزانة ص ٣٩٣ ، شرح عقود الجمان ص ١٣٧ ، أنوار الربيع ج ٦ ص ٤٠ ، نفحات ٢٣٠ ، شرح الكافية ص ٢١٢.
(٧) اللسان (لمم).
(٨) العمدة ج ٢ ص ٢٨٧.
(٩) العمدة ج ٢ ص ١٠٣.
(١٠) الوساطة ص ٢٠٦.