وقال ابن المقفّع : إذا جعل الكلام مثلا كان أوضح للمنطق ، وآنق للسمع ، وأوسع لشعوب الحديث».
ثم قال الميداني : «فالمثل ما يمثّل به الشيء أي يشبّه كالنكل من ينكّل به عدوه ، غير أنّ المثل لا يوضع في موضع هذا المثل وإن كان المثل يوضع موضعه ، فصار المثل اسما مصرّحا لهذا الذي يضرب ثم يردّ الى أصله الذي كان له من الصفة» (١).
وقال ابن وهب : «وأمّا الأمثال فإنّ الحكماء والعلماء والأدباء لم يزالوا يضربون الأمثال ويبينون للناس تصرّف الأحوال بالنظائر والأشباه والأشكال ، ويرون هذا النوع من القول أنجح مطلبا وأقرب مذهبا» (٢). وهذا ما ذهبت اليه كتب الأمثال غير أنّ الجاحظ سمّى الاستعارة مثلا ، وقال في تعليقه على بيت الأشهب ابن رميلة :
هم ساعد الدّهر الذي يتّقى به |
وما خير كفّ لا تنوء بساعد |
«قوله : «هم ساعد الدّهر» إنّما هو مثل ، وهذا الذي يسمّيه الرّواة البديع» (٣) وهذه تسمية القدماء ، قال المظفّر العلوي : «وكان القدماء يسمّونها الأمثال فيقولون : «فلان كثير الأمثال». ولقبها بالاستعارة ألزم ؛ لأنّه أعمّ ، ولأنّ الأمثال كلّها تجري مجرى الاستعارة» (٤). وهذا هو الصحيح لتبقى الأمثال وإرسال المثل وإرسال المثلين ممّا يحسن التّمثّل به عند اقتضاء المقام.
والأمثال في القرآن الكريم وكلام العرب كثيرة ، وقد تقدّمت منها صور في «إرسال المثل» و «إرسال المثلين».
الأمر :
الأمر نقيض النهي ، يقال أمره يأمره أمرا وإمارا فائتمر أي قبل أمره (٥).
والأمر عند البلاغيين هو طلب الفعل على وجه الاستعلاء والالزام ، أو كما قال العلوي : «هو صيغة تستدعي الفعل أو قول ينبىء عن استدعاء الفعل من جهة الغير على جهة الاستعلاء» (٦).
وللأمر أربع صيغ هي :
١ ـ فعل الأمر كقوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)(٧)
وقول الحطيئة :
دع المكارم لا ترحل لبغيتها |
واقعد فانّك أنت الطاعم الكاسي |
٢ ـ المضارع المقرون بلام الأمر كقوله تعالى :(لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ)(٨) وقول أبي تمام :
كذا فليجلّ الخطب وليفدح الأمر |
فليس لعين لم يفض ماؤها عذر |
٣ ـ اسم فعل الأمر كقوله تعالى : (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)(٩). ومنه «صه» بمعنى اسكت ، و «مه» بمعنى اكفف ، و «آمين» بمعنى استجب ، و «بله» بمعنى دع ، و «رويده» بمعنى أمهله ، و «نزال» بمعنى انزل ، و «دراك» بمعنى أدرك.
٤ ـ المصدر النائب عن فعل الأمر كقوله تعالى :(وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً)(١٠).
وقول قطريّ بن الفجاءة :
فصبرا في مجال الموت صبرا |
فما نيل الخلود بمستطاع |
__________________
(١) مجمع الامثال ج ١ ص ٥ ـ ٦.
(٢) البرهان في وجوه البيان ص ١٤٥.
(٣) البيان ج ٤ ص ٥٥.
(٤) نضرة الاغريض ص ١٣٣ ، وينظر كفاية الطالب ص ١٦٢.
(٥) اللسان (أمر).
(٦) الطراز ج ٣ ص ٢٨١.
(٧) النور ٥٦.
(٨) الطلاق ٧.
(٩) المائدة ١٠٥.
(١٠) البقرة ٨٣.