والأمر من أوائل الأساليب التي بحثها النحاة والبلاغيون ، وقد عقد له سيبويه بابا وتحدث عنه ابن قتيبة وثعلب وأشاروا الى معناه الحقيقي والى بعض الأغراض التي يخرج اليها (١). ولعل ابن فارس كان من أوائل الذين عقدوا بابا باسم «باب معاني الكلام» وهي عشرة : خبر واستخبار ، وأمر ونهي ، ودعاء وطلب ، وعرض وتحضيض ، وتمن وتعجب (٢) ، وهذا هو الباب الذي سماه البلاغيون باب «الخبر والانشاء». وقد عرّف الأمر بقوله : «الأمر عند العرب ما إذا لم يفعله المأمور سمي المأمور به عاصيا ويكون بلفظ : افعل وليفعل» (٣). وتحدث عن المعاني التي يحتملها لفظ الأمر.
ودخل أسلوب الأمر في علم المعاني حينما قسم السكاكي البلاغة الى أقسامها الثلاثة :المعاني والبيان والبديع. والأمر عنده هو الباب الثالث من أبواب الطلب ، وقال : «والأمر في لغة العرب عبارة عن استعمالها أعني استعمال نحو «لينزل» و «انزل» و «نزال» و «صه» على سبيل الاستعلاء» (٤). وتحدث عن الاغراض المجازية للأمر ، وتبعه في ذلك البلاغيون ولا سيما القزويني وشرّاح التلخيص (٥).
والمعاني المجازية التي يخرج اليها الأمر كثيرة منها :
الأمر للإباحة :
الأمر للإباحة عن الأغراض الاولى التي فطن لها النحاة ، فسيبويه يقول : «تقول «جالس عمرا أو خالدا أو بشرا» كأنك قلت : جالس أحد هؤلاء ولم ترد إنسانا بعينه» (٦).
وذكره ابن قتيبة وقال : «وعلى لفظ الأمر وهو إباحة» (٧) قوله تعالى : (فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً)(٨) ، وقوله : (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ)(٩).
ونصّ المبرد على معنى الاباحة فقال : «وقد يكون لها موضع آخر معناه الإباحة وذلك قولك : «جالس الحسن او ابن سيرين» و «ائت المسجد أو السوق» أي قد أذنت لك في مجالسة هذا الضرب من الناس وفي إتيان هذا الضرب من المواضع» (١٠). وظل مثال «جالس الحسن او ابن سيرين» يدور في كتب البلاغة عند الكلام على خروج الأمر للاباحة.
ومن الأمر للاباحة قوله تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ)(١١). وقول كثيّر :
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة |
لدينا ولا مقليّة إن تقلّت |
قال القزويني : «ووجه حسنه إظهار الرضى بوقوع الداخل تحت لفظ الأمر حتى كأنه مطلوب» (١٢).
__________________
(١) الكتاب ج ١ ص ١٣٧ ، أدب الكاتب ص ٤ ، قواعد الشعر ص ٢٥.
(٢) الصاحبي ص ١٧٩.
(٣) الصاحبي ص ١٨٤.
(٤) مفتاح العلوم ص ١٥٢.
(٥) الايضاح ص ١٤٣ ، التلخيص ص ١٦٨ ، الأقصى القريب ص ٨٧ ، الطراز ج ٣ ص ٢٨١ ، شروح التلخيص ج ٢ ص ٣٠٨ ، المطول ص ٢٣٩ ، الاطول ج ١ ص ٢٤٦ ، معترك ج ١ ص ٤٤١ ، الاتقان ج ٢ ص ٨١ ، شرح عقود الجمان ص ٥٥ ، حلية اللب ص ٩٥.
(٦) الكتاب ج ٣ ص ١٧٤.
(٧) تأويل مشكل القرآن ص ٢١٦.
(٨) النور ٣٣.
(٩) الجمعة ١٠.
(١٠) المقتضب ج ١ ص ١١.
(١١) البقرة ١٨٧.
(١٢) الايضاح ص ١٤٤ ، وينظر الطراز ج ٣ ص ٢٨٢ ، عروس الافراح ج ٢ ص ٣١٢ ، معترك ج ١ ص ٤٤١.