لا يجد لاسمه اسما مشتركا معه فتعلق بظاهره على طريق المغالطة أو لأنّه لم يفهم إلا ذلك الوجه الذي تعلّق به فلا ، جرم أنّ الجبار انقطع وأخبر الله ـ سبحانه ـ عنه بذلك حيث قال تعالى : (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) (البقرة ٢٥٨). وفيه نوع يحيد المسؤول عن خصوص الجواب الى عمومه لتفيد تلك الحيدة زيادة بيان لا تحصل بخصوص الجواب كقول عائشة ـ رضياللهعنها ـ وقد سألتها امرأة : أتدخل المرأة الحمام؟فقالت : «كل امرأة وضعت ثيابها في غير بيتها فقد عصت» ، أو كما قالت. فانظر الى حيدتها عن الخصوص الى العموم لتفيد زيادة في البيان وتستوعب جميع أحكام الباب .. وأما ما يأتي بسبب صحة المعارضة على طريق المغالطة فما لا يحسن ذكره مثاله (١). وسماه ابن الاثير الحلبي والسيوطي «الانتقال» ، وقال الأول : «هو أن يسأل المتكلم في بحث أو غيره فيجيب بجواب لا يصلح أن يكون جواب ذلك السؤال وانما يحمله على ذلك إما لأنّ حجته لم تنهض بالاستدلال عليه واما مغالطة عن أداء الجواب عما سئل عنه» (٢). ونقل مثال المصري. وقال السيوطي : «هو أن ينتقل المستدل الى استدلال غير الذي كان آخذا فيه لكون الخصم لم يفهم وجه الدلالة من الأول» (٣). ونقل مثال المصري أيضا.
الانتكاث :
النكث : نقض ما تعقده وتصلحه من بيعة وغيرها ، يقال : نكثه نكثا فانتكث وتناكث القوم عهودهم : نقضوها (٤).
سماه ابن منقذ «الانتكاث والتراجع» وقال : «هو أن ينقض الشاعر قوله بقول آخر ، أو ينقص مما زاد فيه» (٥). كما عابوا على امرئ القيس قوله :
فلو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة |
كفاني ولم أطلب قليل من المال |
|
ولكنّما أسعى لمجد مؤثّل |
وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي |
وقوله :
فتملأ بيتنا أقطا وسمنا |
وحسبك من غنى شبع وريّ |
لأنّه وصف نفسه في موضع بسمو الهمة الى الأمور العظيمة ، وفي موضع آخر بالقناعة والشبع والري.
وكان قدامة قد تحدث عن هذه الأبيات في باب مناقضة الشاعر نفسه في قصيدتين أو كلمتين ، ورأى أنّ امرأ القيس لم يناقض نفسه ، قال : «إنّه لو تصفح أولا قول امرئ القيس حق تصفحه لم يوجد ناقض معنى آخر ، بل المعنيان في الشعرين متفقان إلا أنّه زاد في أحدهما زيادة لا تنقض ما في الآخر ، وليس أحد ممنوعا من الاتساع في المعاني التي لا تتناقض ، وذلك أنّه قال في أحد المعنيين : «فلو أنني أسعى لأدنى معيشة كفاني القليل من المال» وهذا موافق لقوله : «وحسبك من غنى شبع وريّ» لكن في المعنى الأول زيادة ليست بناقضة لشيء وهو قوله : «لكنني لست أسعى لما يكفيني ولكن لمجد أؤتله».
فالمعنيان اللذان ينبئان عن اكتفاء الانسان باليسير في الشعرين متوافقان ، والزيادة في الشعر الأول التي دلّ بها على بعد همته ليست تنقض واحدا منهما ولا تنسخه» (٦).
الانتهاء :
النهية والنهاية : غاية كل شيء وآخره ، والنهاية :كالغاية حيث ينتهي اليه الشيء وهو النهاء. يقال :
__________________
(١) تحرير التحبير ص ٥٦٥ ، بديع القرآن ص ٢٨٠.
(٢) جوهر الكنز ص ٢٠٥.
(٣) معترك الأقران ج ١ ص ٤٦٢.
(٤) اللسان (نكث).
(٥) البديع في نقد الشعر ص ١٨٢.
(٦) نقد الشعر ص ٢٠.