قامت تودّعنا والعين ساجية |
كأنّ إنسانها في لجّة غرق |
|
ثم استدار على أرجاء مقلتها |
مبادرا خلسات الطرف يستبق |
|
كأنّه حين مار المأقيان به |
درّ تسلّل من أسلاكه نسق |
فاهتدم فيها قول جميل :
قامت تودعنا والعين ساجمة |
إنسانها بغضيض الدمع مكتحل |
|
ثم استدار على حوراء ساجية |
حتى تبادر منه دمعها الهمل |
|
كأنه حين مار المأقيان به |
درّ تقطّع منه السلك منفصل |
وقال الصنعاني : إنّ الاهتدام «أخذ قسمي اللفظ مع المعنى أو أكثر أقسامه» (١) كما فعل امرؤ القيس ببيت أبي داود وهو :
وقد أغتدي والطير في وكناتها |
بمنجرد ضافي العسيب عتيق |
فقال امرؤ القيس :
وقد اغتدي والطير في وكناتها |
بمنجرد قيد الأوابد هيكل |
وعلّق بعد ذكر بعض الأمثلة : «إنّ المهتدم إن لم يقرّ بانه اهتدم وأخذ واستعار أو ادّعى أنّه ماثل أو عارض فانّ منزلته تسقط وفضيحته تظهر ولا يسمى ذلك معارضة بل صريح السرق والتغيير والتبديل ، واقراره أيضا شاهد بنقصه لكنه بمنزلة المذنب المعترف لا المصرّ» (٢).
فالاهتدام ـ كما يبدو ـ أخذ قسم والتصرف في القسم الآخر تصرفا يسيرا ، ويظهر ذلك واضحا ـ أيضا مما علق به ابن رشيق على قول النجاشي :
وكنت كذي رجلين رجل صحيحة |
ورجل رمت فيها يد الحدثان |
قال : «فأخذ كثيّر القسم الاول واهتدم باقي البيت فجاء بالمعنى في غير اللفظ فقال : «ورجل رمى فيها الزمان فشلّت» (٣).
الأواخر والمقاطع :
قال ابن منقذ : «وينبغي أن يتحرز الشاعر فيها مما يتأول عليه ويؤول أمره اليه» (٤) كما روي أن أبا تمام أنشد : «على مثلها من أربع وملاعب» فقال بعض الحاضرين : «لعنة الله ولعن اللاعنين» مع أنّ عجزه :ازيلت مصونات الدموع السواكب».
وقال ابن منقذ بعد ذلك «وكذلك ينبغي أن تكون أواخر القصائد حلوة المقاطع توقف النفس بانه آخر القصيدة لئلا يكون كالنثر ... ولذلك ينبغي أن يكون مقطع البيت حلوا وأحسنه ما على حرفين مثل : «منها بها» «حطه السيل من عل» «وليلة معا» و «تفريق الأحبة في غد» وكقوله :
أتتني تؤنبني في البكا |
فأهلا بها وبتأنيبها |
|
وللعين عذر إذا ما بكت |
وقد عاينت وجه محبوبها |
ومنه أن يكون في آخر البيت حرف لا يحتاج الى إعراب : واو أو ياء ، أو ياء إضافة ، أو ياء جماعة كقوله : «صحا القلب من سلمى وقد كاد لا يصحو». أو تكون الفاصلة لائقة بما تقدمها كقوله :
هم البحور عطاء حين تسألهم |
وفي اللقاء إذا تلقاهم بهم |
__________________
(١) الرسالة العسجدية ص ٥٣.
(٢) الرسالة العسجدية ص ٥٤.
(٣) العمدة ج ٢ ص ٢٨٧.
(٤) البديع في نقد الشعر ٢٨٦.