المطابقة والمقابلة والمشاكلة ومراعاة النظير ، ومن الثانية التجنيس ورد العجز على الصدر والقلب والسجع.
وكان بدر الدين بن مالك أول من أطلق مصطلح «البديع» على هذه الوجوه والمحسنات ، وقد قال عن البديع إنّه «معرفة توابع الفصاحة» (١) وقسمها الى ثلاثة أنواع.
الأول : الراجع الى الفصاحة اللفظية وهو أربعة وعشرون فنا منها : الترديد والتعطيف ورد العجز على الصدر والتشطير والترصيع.
الثاني : الراجع الى الفصاحة ويختص بافهام المعنى وتبيينه وهو تسعة عشر فنا منها : حسن البيان والايضاح والمذهب الكلامي والتبيين والتتميم والتقسيم.
الثالث : الراجع الى الفصاحة المختصة بتحسين الكلام وتزيينه ومنها : اللف والنشر ، والتفريق والجمع والتورية وحسن الابتداء وحسن الخاتمة.
وفصل القزويني البديع فصلا تاما عن البلاغة التي جعلها محصورة في المعاني والبيان ، والبديع عنده ضربان : ضرب يرجع الى المعنى كالمطابقة ومراعاة النظير والارصاد ، وضرب يرجع الى اللفظ كالجناس ورد العجز على الصدر والسجع.
ولم يخرج شرّاح التلخيص عما رسمه القزويني وإن أضاف بعضهم كالسبكي فنونا أخرى.
فالبديع بمعناه الأخير هو «علم يعرف به وجوه تحسين الكلام بعد رعاية تطبيقه على مقتضى الحال ووضوح الدلالة» (٢) ، أي أنّه تابع لعلمي المعاني والبيان.
البديعيّات :
شهد القرن السابع للهجرة لونا جديدا من التأليف في البلاغة هو «البديعيّات» وهي قصائد في مدح الرسول محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ومن البسيط وروي الميم في أكثر الاحيان ، وتتضمن فنونا بلاغية يورّى عنها أو لا يورّى.
والبديعيات كثيرة ، ولعل أقدمها بديعية علي بن عثمان الاربلي في مدح بعض معاصريه. وقد ذكر ابن شاكر الكتبي (٣) ستة وثلاثين بيتا منها اشتملت على فنون بلاغية مختلفة. ويبدو أنّ هذه البديعية أول ما عرف في الأدب العربي من البديعيات ، وهي ليست في مدح النبي الكريم وليست من البسيط أو على روي الميم ، وانما هي في مديح بعضهم ومن الخفيف وروي اللام. وقد بدأها صاحبها بذكر الجناس التام والمطرف فقال :
بعض هذا الدلال والإدلال |
حال بالهجر والتجنب حالي |
وبالجناس المصحف والمركب فقال :
جرت إذ جزت ربع قلبي وإذ |
لالي صبرا أكثرت من إذلالي |
ومن البديعيات بديعية صفي الدين الحلي وهي في مائة وخمسة وأربعين بيتا ومطلعها :
إن جئت سلعا فسل عن جيرة العلم |
واقرا السّلام على عرب بذي سلم |
وبديعية ابن جابر الاندلسي وهي في مائة وسبعة وعشرين بيتا استهلها بقوله :
بطيبة انزل ويمّم سيد الأمم |
وانثر له المدح وانشر أطيب الكلم |
وسمّاها «الحلة السيرا في مدح خير الورى» (٤) وشرحها الرعيني الغرناطي بكتاب «طراز الحلة وشفاء الغلة».
__________________
(١) المصباح ص ٧٥.
(٢) الايضاح ص ٣٣٤ ، التلخيص ص ٣٤٧ ، شروح التلخيص ج ١ ص ٢٨٢ ، المطول ص ٤١٦ ، الأطول ج ٢ ص ١٨٠.
(٣) فوات الوفيات ج ٢ ص ١١٨.
(٤) السيراء ؛ المخططة ، أو يخالطها حرير.