والتقسيم واصبح مصطلح البلاغة يضم هذه العلوم الثلاثة.
البليغ :
قال الحصري : «هو من يحوك الكلام على حسب المعاني ويخيط الألفاظ على قدود المعاني» (١). وهذا ما أصبح تعريفا للبلاغة حينما قالوا : «البلاغة هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال».
ولا يكون البليغ متصفا بالبلاغة إلا إذا كان صاحب ذوق رفيع وثقافة واسعة وذا حفظ عظيم لتنطبع الصور في ذهنه ويحذو حذوها في أول الأمر ثم ينطلق بعيدا عنها.
البيان :
البيان ما يبين به الشيء من الدلالة وغيرها. وبان الشيء : اتضح فهو بيّن ، واستبان الشيء : ظهر. والبيان الفصاحة واللسن ، كلام بيّن : فصيح. والبيان الافصاح مع ذكاء والبيّن من الرجال : الفصيح والسمح اللسان.
وفلان أبين من فلان أي أفصح منه وأوضح كلاما ، والبيان : إظهار المقصود بأبلغ لفظ وهو من حسن الفهم وذكاء القلب مع اللسن ، وأصله الكشف والظهور (٢).
وفي القرآن الكريم اشارات كثيرة الى البيان منها قوله تعالى : (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ)(٣) ، وقوله : (الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ. عَلَّمَهُ الْبَيانَ)(٤). وفي الحديث الشريف قوله ـ عليهالسلام : «إنّ من البيان لسحرا» (٥).
وظلت كلمة «البيان» تحمل هذه المعاني العامة حتى اذا ما دخلت في الدراسات البلاغية أصبح لها مدلول غير الوضوح. وأول ما تصادفنا هذه الكلمة بمعناها القريب من الاصطلاح عند الجاحظ حيث سمّى احد كتبه «البيان والتبيين» وجمع فيه كثيرا من الأقوال وتحدث عن البيان ، ولعل تعريف جعفر بن يحيى الذي ذكره الجاحظ كان من أقدم ما دوّن قال : «قال ثمامة : قلت لجعفر بن يحيى : ما البيان؟
قال : أن يكون الاسم يحيط بمعناك ويجلي عن مغزاك وتخرجه عن الشركة ولا تستعين عليه بالفكرة. والذي لا بدّ منه أن يكون سليما من التكلف بعيدا من الصنعة ، بريئا من التعقيد ، غنيا من التأويل. وهذا هو تأويل قول الاصمعي : «البليغ من طبّق المفصل وأغناك عن المفسر» (٦).
والبيان عند الجاحظ واسع المعنى وهو الكشف والايضاح والفهم والافهام ، قال : «البيان اسم جامع لكل شيء كشف لك قناع المعنى وهتك الحجاب دون الضمير حتى يفضي السامع الى حقيقته ويهجم على محصوله كائنا ما كان ذلك البيان ومن أي جنس كان ذلك الدليل ، لأنّ مدار الأمر والغاية التي اليها يجري القائل والسامع إنّما هو الفهم والافهام فبأي شيء بلغت الافهام وأوضحت عن المعنى فذلك هو البيان في ذلك الموضع» (٧). والدلالات على المعاني من لفظ وغير لفظ خمسة : اللفظ ، والاشارة ، والعقد ، والخط والنّصبة.
وتابعه ابن ذهب وقال إنّ الدلالات أربعة أوجه : بيان الأشياء بذواتها ، وبيان الاعتقاد ، وبيان العبارة ، وبيان الكتاب.
والبيان عند الرماني الاحضار لما يظهر به تميز الشيء من غيره من الادراك (٨) ، وأقسامه أربعة :
__________________
(١) زهر الآداب ج ١ ص ١٢١.
(٢) اللسان (بين).
(٣) آل عمران ١٣٨.
(٤) الرحمن ١ ـ ٤.
(٥) النهاية في غريب الحديث والأثر ج ١ ص ١٧٤.
(٦) البيان ج ١ ص ١٠٦ ، عيون الاخبار ج ٢ ص ١٧٣ ، العمدة ج ١ ص ٢٤٩.
(٧) البيان ج ١ ص ٧٦.
(٨) النكت في إعجاز القرآن ص ٩٨ ، وينظر المنزع البديع ص ٤١٤.