ومنه قول الآخر :
قالت أمامة لا تجزع فقلت لها |
إنّ العزاء وإنّ الصّبر قد غلبا |
فالعزاء هو الصبر.
ووقع نزاع بين علماء البيان فمنهم من ردّه ومنهم من قبله ، وللعلوي رأي في ذلك لخصه بقوله : «أما الناثر فلا يغتفر له مثل هذا وهو أن يأتي بكلمتين دالتين على معنى واحد من غير فائدة وليس هناك ضرورة تلجئه الى ذلك فلهذا كان معدودا في النثر من العي المردود فلا نقبله. وأما الناظم فانه إن أتى بهما في صدر البيت فلا عذر له في ذلك لأنّه مخالف للبلاغة والبراعة في الفصاحة ويدلّ على ضيق العطن في الطلاقة والذلاقة ، وإن كان في عجز الأبيات فما هذا حاله يغتفر له من أجل الضرورة الشعرية» (١).
وقال الزركشي عن التأكيد : «القصد منه الحمل على ما لم يقع ليصير واقعا ، ولهذا لا يجوز تأكيد الماضي ولا الحاضر لئلا يلزم تحصيل الحاصل وإنّما يؤكّد المستقبل» (٢). وقسّمه قسمين :
الأول : صناعي يتعلق باصطلاح النحاة ، وهو النوع العام عند العلوي.
الثاني : معنوي وهو ما يهم البلاغيين ، وهذا ما سماه العلوي الخاص المتعلق بالبيان. وأشار الزركشي الى مسائل تخص التأكيد منها وقوعه في القرآن والسنة وأنّه خلاف الأصل وأنّه حيث وقع حقيقة وإن زعم قوم أنّه مجاز ؛ لأنّه لا يفيد إلا ما أفاده المذكور الأول.
قال : «حكاه الطّرطوشي في العمدة ثم قال : ومن سمّى التأكيد مجازا فيقال له : إذا كان التأكيد بلفظ الأول نحو «عجّل عجّل» ونحوه ، فإن جاز أن يكون الثاني مجازا جاز في الأول لأنّهما في لفظ واحد ، واذا بطل حمل الأول على المجاز بطل حمل الثاني عليه ؛ لأنّه قبل الأول» (٣). ونقل هذا الكلام السيوطي فقال وهو يتحدث عن أنواع مختلف في عدها من المجاز : «الثاني : التأكيد ، زعم قوم أنّه مجاز لأنّه لا يفيد إلا ما أفاده الأول ، والصحيح أنّه حقيقة. قال الطّرطوشي في العمدة : ومن سماه مجازا قلنا له إذا كان التأكيد بلفظ الاول نحو «عجل عجل» ونحوه فان جاز أن يكون الثاني مجازا جاز في الأول لأنّهما في لفظ واحد واذا بطل حمل الأول على المجاز بطل حمل الثاني عليه لأنّه مثل الأول» (٤).
تأكيد الذّمّ بما يشبه المدح :
تحدث ابن المعتز عن محاسن الكلام في تأكيد المدح بما يشبه الذم ولم يشر الى تأكيد الذم بما يشبه المدح ، وهو أن توحي العبارة الثانية بالمدح وما هي منه. وهو ضربان :
الأول : أن يستثنى من صفة مدح منفية عن الشيء صفة ذم بتقدير دخولها فيها ، مثل : «فلان لا خير فيه إلا أنّه يسيء الى من يحسن اليه». ويرى السبكي أنّ هذا المثال غير دقيق ، والأحسن أن يقال : «فلان لا خير فيه إلا أنّه يتصدق مما يسرقه» (٥).
الثاني : أن يثبت للشيء صفة ذم ويعقب باداة استثناء تليها صفة ذم أخرى ، مثل : «فلان فاسق إلا أنّه جاهل».
ويفيد هذا الاسلوب التأكيد وذلك أنّه كدعوى الشيء ببينة (٦).
__________________
(١) الطراز ج ٢ ص ١٨٩.
(٢) البرهان في علوم القرآن ج ٢ ص ٣٨٤.
(٣) البرهان ج ٢ ص ٣٨٤ ـ ٣٨٥.
(٤) الاتقان ج ٢ ص ٤١ ، وينظر الروض المريع ص ١٦٠.
(٥) عروس الافراح ج ٤ ص ٣٩٦.
(٦) الايضاح ص ٣٧٤ ، التلخيص ص ٣٨٢ ، حسن التوسل ص ٢٣٠ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٢٢ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٣٩٥ ، المطول ص ٤٤١ ، الاطول ج ٢ ص ٢١٧ ، شرح عقود الجمان ص ١٢٥ ، حلية اللب ص ١٤٤.