المعاني لغيره قول أبي العتاهية يشبه الرايات بالسحاب :
ورايات يحلّ النّصر فيها |
تمرّ كأنّها قطع السّحاب |
فعكسه علي بن الجهم فقال يشبه السحابة بالرايات :
فمرّت تفوق الطرف حتى كأنّها |
جنود عبيد الله ولّت بنودها |
ومثال عكس الشاعر معنى نفسه قول أحدهم :
واذا الدرّ زان حسن نساء |
كان للدر حسن وجهك زينا |
وقول الآخر :
منعّمة الأطراف زانت عقودها |
بأحسن مما زينتها عقودها |
ومن باب العكس في الكتاب العزيز قوله تعالى :(ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ، وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ)(١).
ونقل ابن الاثير الحلبي تعريف المصري وقال إنّه يسمى المغايرة أيضا (٢).
التّبليغ :
بلغ الشيء يبلغ بلوغا وبلاغا : وصل وانتهى ، وأبلغه هو إبلاغا وبلّغه تبليغا (٣). قال الحاتمي : «وقد سماه قوم الايغال وهو : أن يأتي الشاعر بالمعنى في البيت تماما قبل انتهائه الى القافية ثم يأتي بها لحاجة الشعر اليها فتزيد البيت نصاعة والمعنى بلوغا الى الغاية القصوى» (٤). وسماه ابن رشيق الايغال أيضا وقال إنّه ضرب من المبالغة إلا أنّه في القوافي خاصة لا يعدوها (٥). وقال ابن الاثير الحلبي : «وإنّما سمي ايغالا لأنّ الناظم أوغل في كل منهما فكره حتى استخرج سجعة أو قافية تفيد معنى زائدا على معنى الكلام» (٦) وردّ ابن الاثير الجزري كلام الغانمي الذي ميّز بين التبليغ والاشباع وقال إنّهما فن واحد ، وإنّ تسمية العسكري له بالايغال أقرب (٧).
وسمّى الحلبي والنويري المبالغة تبليغا ، قالا : «وتسمى التبليغ والافراط في الصفة» (٨) وذكرا تعريف قدامة وهو : «ومن أنواع نعوت المعاني المبالغة وهي أن يذكر الشاعر حالا من الأحوال في شعر لو وقف عليها لأجزأه ذلك في الغرض الذي قصده فلا يقف حتى يزيد في معنى ما ذكره من تلك الحال ما يكون أبلغ فيما قصد له» (٩).
كقول عمير بن الأيهم التغلبي :
ونكرم جارنا ما دام فينا |
ونتبعه الكرامة حيث مالا |
فإكرامهم للجار ما دام فيهم من الاخلاق الحميدة الجميلة الموصوفة ، وإتباعهم إياه الكرامة حيث كان من المبالغة في الجميل.
وهذا غير الايغال أو الاطناب بالايغال ، وقد أدخله القزويني في البديع وعدّه نوعا من المبالغة التي «تنحصر في التبليغ والإغراق والغلو ، لأنّ المدعي للوصف في الشدة أو الضعف إما أن يكون ممكنا في نفسه أو لا ، الثاني الغلو. والأول إما أن يكون ممكنا في العادة أيضا أو لا ، الأول التبليغ والثاني الإغراق» (١٠).
__________________
(١) الأنعام ٥٢.
(٢) جوهر الكنز ص ٢٨٥ ، وينظر منهاج البلغاء ص ٥١.
(٣) اللسان (بلغ).
(٤) حلية المحاضرة ج ١ ص ١٥٥ ، العمدة ج ٢ ص ٥٧.
(٥) العمدة ج ١ ص ٢٧٩.
(٦) جوهر الكنز ص ١٣٣.
(٧) الجامع الكبير ص ٢٤٠ ، المثل السائر ج ٢ ص ٣٥٠.
(٨) حسن التوسل ص ٢٣٤ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٢٤.
(٩) نقد الشعر ص ١٦٠.
(١٠) الايضاح ص ٣٦٥ ، التلخيص ص ٣٧١.