أخذه أبو تمام فقال :
كشف الغطاء فأخمدي أو أوقدي |
لم تكمدي فظننت أن لم تكمد (١) |
ولم يعرّف ابن منقذ هذا اللون ويبدو من الأمثلة أنّه يريد به نوعا من الأخذ الموفق أو غير الموفق ، أي أنّ الشاعر قد يحيل ما يأخذه جميلا رقيقا ، وقد يصيّره ثقيلا غليظا.
التّثليم :
ثلم الاناء والسيف ونحوه يثلمه ثلما وثلّمه فانثلم وتثلّم : كسر حرفه. والثّلم في الوادي أن ينثلم جرفه وكذلك في النؤي والحوض (٢).
وقد عدّه قدامة من عيوب ائتلاف اللفظ والوزن وقال عنه : «هو أن يأتي الشاعر بأسماء يقصر عنها العروض فيضطر الى ثلمها والنقص منها» (٣) ، كقول علقمة بن عبدة :
كأنّ إبريقهم ظبي على شرف |
مفدّم بسبا الكتّان ملثوم (٤) |
أراد : بسبائب الكتّان ، فحذف للعروض. وقال لبيد :
درس المنا بمتالع فأبان |
وتقادمت بالحبس فالسوبان (٥) |
أراد : المنازل. وهذا من الضرورات غير أنّ ابن منقذ عقد له فصلا وقال : «قد جاء في أشعار العرب الفصحاء نقص في الالفاظ والكلمات وتغيير في الاسماء والافعال فقيل إنّه لغة ، وقيل : إنّه ضرورة» (٦).
تجاهل العارف :
الجهل نقيض العلم ، وقد جهله فلان جهلا وجهالة وجهل عليه. وتجاهل : أظهر الجهل ، وتجاهل : أرى من نفسه الجهل وليس به (٧).
ذكره ابن المعتز في محاسن الكلام (٨) ولم يعرّفه ، ومثّل له بقول زهير :
وما أدري ولست إخال أدري |
أقوم آل حصن أم نساء؟ |
وسماه العسكري : «تجاهل العارف ومزج الشك باليقين» وقال : «هو إخراج ما يعرف صحته مخرج ما يشك فيه ليزيد بذلك تأكيدا» (٩). ومنه قول العرجي :
بالله يا ظبيات القاع قلن لنا |
ليلاي منكنّ أم ليلى من البشر |
وقول الآخر :
أيا شبه ليلى ما لليلى مريضة |
وأنت صحيح إنّ ذا لمحال |
|
أقول لظبي مرّ بي وهو راتع |
أأنت أخو ليلى؟ فقال يقال |
وذكر التبريزي والبغدادي بعض الأمثلة السابقة ولم يعرّفاه (١٠).
ورجع ابن منقذ الى ما ذكره العسكري وأضاف اليه أمثلة كثيرة (١١) ، ولم يعرّفه الرازي (١٢) ومثّل له بقوله تعالى (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(١٣) ، وقول المتنبي :
__________________
(١) البديع في نقد الشعر ص ٢٠٤.
(٢) اللسان (ثمل).
(٣) نقد الشعر ص ٢٤٩.
(٤) فدم الابريق : وضع الفدام عليه أي المصفاة او الخرقة ليصفى بها ما فيه.
(٥) متالع : موضع. أبان : جبل. الحبس : موضع.
السوبان : واد.
(٦) البديع في نقد الشعر ص ١٧٨.
(٧) اللسان (جهل).
(٨) البديع ص ٦٢.
(٩) كتاب الصناعتين ص ٣٩٦.
(١٠) الوافي ص ٢٩٥ ، قانون البلاغة ص ٤٥٩.
(١١) البديع في نقد الشعر ص ٩٣.
(١٢) نهاية الايجاز ص ١١٤.
(١٣) سبأ ٢٤.