سماه السكاكي سوق المعلوم مساق غيره لنكتة» (١) كالتوبيخ والمبالغة في المدح والتدلّه في الحب والتحقير والتعريض ، وتبعه في ذلك شراح التلخيص والسيوطي (٢).
وسمّاه العلوي «التجاهل» وقال : «هو أن تسأل عن شيء تعلمه موهما أنّك لا تعرفه وأنّه مما خالجك فيه الشك والريبة ، وشبهة عرضت بين المذكورين ، وهو مقصد من مقاصد الاستعارة يبلغ به الكلام الذروة العليا ويحله في الفصاحة المحل الأعلى» (٣). وهذا تعريف ابن الزملكاني وإن أضاف اليه العبارة الأخيرة فعدّه مقصدا من مقاصد الاستعارة لأنّه يقوم على التشبيه والتباس المشبه بالمشبه به.
وعاد الحموي والمدني الى ما ذكره السابقون وأشارا الى تسمية ابن المعتز وتسمية السكاكي وذكرا النكت التي ذكرها القزويني وغيره (٤).
وظل مصطلح «تجاهل العارف» دائرا في الكتب في حين أنّ الاعنات وسوق المعلوم مساق غيره لم يحتلا مكانا وإن كانت تسمية السكاكي أكثر تأدبا عند التعرض لآيات الكتاب العزيز.
التّجاوز :
تجاوز بهم الطريق وجازه جوازا : خلّفه. وتجاوز الله عنه : عفا (٥) والتجاوز هو التتبيع ، قال ابن رشيق : «ومن أنواع الإشارة التتبيع وقوم يسمونه التجاوز ، وهو أن يريد الشاعر ذكر الشيء فيتجاوزه ويذكر ما يتبعه في الصفة وينوب عنه في الدلالة عليه» (٦). وقد تقدم.
التّجريد :
جرد الشيء يجرده جردا وجرّده : قشره (٧).
والتجريد مصدر جردته من ثيابه إذا نزعتها عنه. (٨).
والتجريد من الأساليب العربية القديمة فقد قال الأعشى وهو يتحدث عن نفسه :
يا خير من يركب المطيّ لا |
يشرب كأسا بكفّ من بخلا |
وقال :
ودّع هريرة إنّ الركب مرتحل |
وهل تطيق وداعا أيّها الرجل |
وقد أشار سيبويه الى هذا الاسلوب في باب ما يختار فيه الرفع ويكون فيه الوجه في جميع اللغات قال : «ولو قال : أما أبوك فلك أب» لكان على قوله : «فلك به أب» أو «فيه أب» وإنما يريد بقوله : «فيه أب» مجرى الأب على سعة الكلام» (٩). وهذا النوع من التجريد بالباء ، ولكن سيبويه لم يسمّه كذلك ، وإنّما عرضه بوصفه أسلوبا عربيا فصيحا. وكان أبو علي الفارسي من أوائل الذين تعرضوا له وهو الذي سماه تجريدا. وقد ذكر ذلك السابقون فقال ابن جني : «اعلم أنّ هذا فصل من فصول العربية طريف حسن ، ورأيت أبا علي ـ رحمهالله ـ به غريا معنيا ولم يفرد له بابا لكنه وسمه في بعض ألفاظه بهذه السمة فاستقريتها منه وأنقت لها. ومعناه أنّ العرب قد تعتقد ان في الشيء من نفسه معنى آخر كأنه حقيقته ومحصوله وقد يجري ذلك الى ألفاظها لما عقدت عليه معانيها وذلك نحو قولهم : «لئن لقيت زيدا لتلقين منه الاسد» و «لئن سألته
__________________
(١) الايضاح ص ٣٧٨ ، التلخيص ص ٣٨٥.
(٢) شروح التلخيص ج ٤ ص ٤٠٣ ، المطول ص ٤٤٣ ، الأطول ج ٢ ص ٢١٩ ، شرح عقود الجمان ص ١٣٠ وينظر الروض المريع ص ١٣١.
(٣) الطراز ج ٣ ص ٨٠.
(٤) خزانة الأدب ص ١٢٢ ، انوار الربيع ج ٥ ص ١١٩ ، المنزع البديع ص ٢٧٧ ، الروض المريع ص ١٣١ ، نفحات ص ٤٣ ، التبيان في البيان ص ٢٤٠ ، شرح الكافية ص ١١٧.
(٥) اللسان (جوز).
(٦) العمدة ج ١ ص ٣١٣ ، كفاية الطالب ص ١٧٨.
(٧) اللسان (جرد).
(٨) أنوار الربيع ج ٦ ص ١٥٣.
(٩) الكتاب ج ١ ص ٣٩٠.