وقال البغدادي إنّ التجميع من عيوب الألفاظ ومثّل له بقول سعيد بن حميد (١). وقال القرطاجني : «ويكره أن يكون مقطع المصراع الأول على صيغة يوهم وضعها أنّها مصراع ثم تأتي القافية على خلاف ذلك فيخلف ظن النفس في القافية لذلك ، وقد سمّي هذا تجميعا» (٢).
التّجنيس :
الجنس : الضرب من كل شيء ، وهو من الناس ومن الطير ومن حدود النحو والعروض ومن الأشياء جملة. ومنه المجانسة والتجنيس ، ويقال : هذا يجانس هذا أي يشاكله وفلان يجانس البهائم ولا يجانس الناس إذا لم يكن له تمييز ولا عقل (٣).
وقال الحموي : «وأما اشتقاق الجناس فمنهم من يقول التجنيس هو تفعيل من الجنس ومنهم من يقول المجانسة المفاعلة من الجنس أيضا إلا أنّ إحدى الكلمتين إذا تشابهت بالأخرى وقع بينهما مفاعلة الجنسية والجناس مصدر جانس ، ومنهم من يقول التجانس التفاعل من الجنس أيضا لأنه مصدر تجانس الشيئان إذا دخلا في جنس واحد. ولما انقسم أقساما كثيرة وتنوع أنوعا عديدة تنزل منزلة الجنس الذي يصدق على كل واحد من أنواعه فهو حينئذ جنس» (٤).
وقال المدني : «الجناس والتجنيس والمجانسة والتجانس كلها ألفاظ مشتقة من الجنس ، فالجناس مصدر جانس والتجنيس تفعيل من الجنس والمجانسة مفاعلة منه ؛ لأنّ إحدى الكلمتين إذا شابهت الأخرى وقع بينهما مفاعلة الجنسية ، والتجانس مصدر تجانس الشيئان إذا دخلا تحت جنس واحد» (٥).
فالتجنيس هو التجانس والجناس والمجانسة وكلها مشتقة من الجنس ، وقد قال ابن الاثير الحلبي : «فأما لفظة الجناس فيقال إنّ العرب لم تتكلم بها وانما علماء اللغة قاسوها على نظائرها وجعلوا الجناس حال كلمة بالنسبة الى أختها وكذلك المجانسة. وأما التجنيس فانه فعل المجنس مثل التصنيف فعل المصنف. وأما التجانس فهو الكلمات في نفسها من التشابه» (٦).
وقال العلوي : «وهو تفعيل من التجانس وهو التماثل وانما سمي هذا النوع جناسا لأن التجنيس الكامل أن تكون اللفظة تصلح لمعنيين مختلفين ، فالمعنى الذي تدل عليه هذه اللفظة هي بعينها تدل على المعنى الآخر من غير مخالفة بينهما ، فلما كانت اللفظة الواحدة صالحة لهما جميعا كان جناسا ، وهو من ألطف مجاري الكلام ومحاسن مداخله وهو من الكلام كالغرة في وجه الفرس. فالجنس في اللغة هو الضرب من الشيء وهو أعم من النوع والمجانسة المماثلة. وسمّي هذا النوع جناسا لما فيه من المماثلة اللفظية. وزعم ابن دريد أنّ الاصمعي يدفع قول العامة : «هذا مجانس» لهذا ، ويقول إنه مولّد» (٧).
وللأصمعي كتاب سماه «الأجناس» ولأبي عبيد الله القاسم بن سلّام «كتاب الاجناس من كلام العرب وما اشتبه في اللفظ واختلف في المعنى» (٨) وقد أشار سيبويه الى فن التجنيس وسماه «اتفاق اللفظين والمعنى مختلف» (٩). وذكر المبرد مثل ذلك (١٠) وله كتاب «ما اتفق لفظه واختلف معناه من القرآن
__________________
(١) قانون البلاغة ص ٤١٠.
(٢) منهاج البلغاء ص ٢٨٣.
(٣) اللسان (جنس).
(٤) خزانة الأدب ص ٢٢.
(٥) أنوار الربيع ج ١ ص ٩٧.
(٦) جوهر الكنز ص ٩١.
(٧) الطراز ج ٢ ص ٣٥٥ ، وينظر اللسان (جنس).
(٨) فهرست ابن النديم ص ٦١ ، وينظر كتاب الصناعتين ص ٣٢١.
(٩) الكتاب ج ١ ص ٢٤.
(١٠) المقتضب ج ١ ص ٤٦.