التكلف ، قال الحموي : «أما الجناس فانّه غير مذهبي ومذهب من نسجت على منواله من أهل الأدب وكذلك كثرة اشتقاق الالفاظ فانّ كلا منهما يؤدي الى العقادة والتقييد عن اطلاق عنان البلاغة في مضمار المعاني المبتكرة» (١). وكان الاوائل يستعملون هذا الفن ولكن من غير إسراف فلما أفضى الحال الى المولّدين في العصر العباسي شاع وظهر ، وقد أكثر منه أبو تمام ، ولذلك قال ابن المعتز في التجنيس وغيره من فنون البديع : «إنّ حبيب ابن أوس الطائي من بعدهم شغف به حتى غلب عليه وتفرّع فيه وأكثر منه فأحسن في بعض ذلك وأساء في بعض وتلك عقبى الإفراط وثمرة الإسراف» (٢).
وأقسام التجنيس أو الجناس كثيرة ، وقد اختلف أرباب البديع فيها اختلافا كبيرا ، وقد أفرده بالتأليف جماعة منهم الشيخ صفي الدين الحلي ، ألف كتابا سماه «الدر النفيس في أجناس التجنيس» والشيخ صلاح الدين الصفدي. ألف فيه كتابه المسمى «جناس الجناس» (٣) ورأى ابن الاثير أنّه سبعة أقسام ، واحد منها يدل على حقيقة التجنيس لأنّ لفظه واحد لا يختلف ، وستة أقسام مشبهة. فالقسم الأول الحقيقي هو «أن تتساوى حروف ألفاظه في تركيبها ووزنها» (٤) ، والأقسام الستة المشبهة بالتجنيس هي :
الأول : أن تكون الحروف متساوية في تركيبها مختلفة في وزنها.
الثاني : أن تكون الألفاظ متساوية في الوزن مختلفة في التركيب بحرف واحد لا غير.
الثالث : أن تكون الالفاظ مختلفة في الوزن والتركيب بحرف واحد.
الرابع : المعكوس ، وهو ضربان : عكس الالفاظ وعكس الحروف.
الخامس : المجنب وهو أن يجمع مؤلف الكلام بين كلمتين إحداهما كالتبع للأخرى والجنيبة لها.
السادس : ما يساوي وزنه تركيبه غير أنّ حروفه تتقدم وتتأخر.
وفي كتب البلاغة والنقد والأدب أنواع كثيرة هي :
تجنيس الإشارة :
قال الرازي : «إنّ المتجانس قد يكون مذكورا صريحا وقد يكون مذكورا باشارة» (٥).
وقال العلوي : «هو أن لا يذكر أحد المتجانسين في الكلام ولكن يشار اليه بما يدلّ عليه» (٦).
كقول بعضهم وذكره الرازي أيضا :
حلقت لحية موسى باسمه |
وبهرون اذا ما قلبا |
لأنّ كلمة «هرون» إذا قلبت كانت «نوره» لكنه لم يذكرها وانما أشار اليها اشارة بقوله : «وبهرون إذا ما قلبا».
وقول آخر :
وما أروى وان كرمت علينا |
بأدنى من موقّفة حرون |
|
يطيف بها الرماة فتتقيهم |
بأوعال معطفة القرون |
ف «أروى» هي المرأة ، وقوله «موقفة حرون» إشارة الى أروى الأوعال وأراد أنّ هذه المرأة التي اسمها أروى ليست بأقرب من التي في الجبال لكنه أعرض عن ذكرها.
__________________
(١) خزانة الأدب ص ٢٠.
(٢) البديع ص ١.
(٣) أنوار الربيع ج ١ ص ٢٢٢ ، حسن التوسل ص ١٨٣ ، التبيان في البيان ص ٤٠٣.
(٤) المثل السائر ج ١ ص ٢٤٦.
(٥) نهاية الايجاز ص ٢٩ ، الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ١٢.
(٦) الطراز ج ٢ ص ٣٧٢ ، وينظر المنزع البديع ص ٤٩٦ ، جنى الجناس ص ٧٣ ، الروض المريع ص ١٦٣.