وسمّى بعضهم هذا النوع «تجنيس الكناية» قال الحموي : «وكل منهما مطباق التسمية» (١). وأدخله في الجناس المعنوي وعرّفه بقوله : «الضرب الثاني من المعنوي وهو جناس الاشارة والكناية هو غير الأول أي جناس الاضمار. وسبب ورود هذا النوع في النظم أنّ الشاعر يقصد المجانسة في بيته بين الركنين من الجناس فلا يوافقه الوزن على إبرازهما فيضمر الواحد ويعدل بقوته الى مرادف فيه كناية تدل على الركن المضمر فان لم يتفق له مرادف الركن المضمر فيأتي بلفظة فيها كناية لطيفة تدل عليه. وهذا لا يتفق في الكلام المنثور» (٢). ومثاله قول امرأة من عقيل وقد أراد قومها الرحيل عن بني ثهلان وتوجه منهم جماعة يحضرون الابل :
فما مكثنا دام الجمال عليكما |
بثهلان إلا أن تشدّ الأباعر |
وأرادت أن تجانس بين الجمال والجمال فلم يساعدها الوزن ولا القافية فعدلت الى مرادفة الجمال بالاباعر.
ومنه قول دعبل في امرأته سلمى :
إنّي أحبّك حبّا لو تضمّنه |
سلمى سميّك ذاك الشاهق الراسي |
فالكناية في «سميّك» لأنّها أشعرت أنّ الركن المضمر في سلمى يظهر منه جناس الاشارة بين الركن الظاهر والمضمر في سلمى ، وسلمى الذي هو الجبل.
ولم يخرج السيوطي والمدني عن ذلك في بحث هذا الفن (٣).
تجنيس الاشتقاق :
ألحقه القزويني بالجناس وقال : هو «أن يجمع بين اللفظين الاشتقاق» (٤) كقوله تعالى : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ)(٥) ، وقوله (فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ)(٦).
ومنه قول أبي تمام :
وأنجدتم من بعد إتهام داركم |
فيا دمع أنجدني على ساكني نجد |
وقال الحلبي والنويري : «ويسمى الاقتضاب أيضا ومنهم من عدّه أصلا برأسه ومنهم من عدّه أصلا في التجنيس : وهو أن تجيء بألفاظ يجمعها أصل واحد في اللغة» (٧).
وقال السيوطي : «ويسمى المقتضب» (٨). وقد فرّق الحموي بينه وبين المطلق فقال : «اما الجناس المطلق فلشدة تشابهه بالمشتق يوهم أحد ركنيه أن أصلهما واحد وليس كذلك كقوله تعالى : (وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ)(٩) ، وكقوله تعالى : (لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ)(١٠) ... فهذه الأركان هنا شواهد على الجناس المطلق ليس فيها ركنان يرجعان الى أصل واحد كالمشتق بل جميع ما ذكرنا أسماء أجناس وهي محمولة على عدم الاشتقاق» (١١).
تجنيس الإضافة :
قال ابن الزملكاني : «فإن عرض للمنطق أن أضيف الى احدى الكلمتين قيل له تجنيس الاضافة كقول البحتري :
__________________
(١) خزانة الأدب ص ٤١.
(٢) خزانة ص ٤٢.
(٣) شرح عقود الجمان ص ١٤٧ ، أنوار الربيع ج ١ ص ٢١٧ ، التبيان في البيان ص ٤٠٨.
(٤) الايضاح ص ٣٨٩ ، التلخيص ص ٣٩٢ ، الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ١٢.
(٥) الروم ٤٣.
(٦) الواقعة ٨٩.
(٧) حسن التوسل ص ١٩٣ ، نهاية الارب ج ٧ ص ٩٥ ، حدائق السحر ص ١٠٣ ، الفوائد ص ٢٢٠.
(٨) معترك ج ١ ص ٤٠١ ، شرح عقود الجمان ص ١٤٧ ، الروض المريع ص ١٦٧.
(٩) يونس ١٠٧.
(١٠) المائدة ٣١.
(١١) خزانة الأدب ص ٢٥.