وذكر قدامة «اتساق البناء» (١) وقرنه بالسجع ولم يعرفه وانما قال إنّه كقول النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لجرير بن عبد الله البجلي : «خير الماء الشبم ، وخير المال الغنم ، وخير المرعى : الأراك والسلم ، إذا سقط كان لجينا ، واذا يبس كان درينا ، واذا أكل كان لبينا» (٢).
اتّساق النّظم :
هذا الفن من صفات الشعر الجيد ، وقد ذكره ثعلب وقال إنّه «ما طاب قريضه ، وسلم من السناد والاقواء والاكفاء والاجازة والايطاء وغير ذلك من عيوب الشعر ، وما قد سهّل العلماء إجازته من قصر ممدود ، ومدّ مقصور ، وضروب أخر كثير وإن كان ذلك قد فعله القدماء وجاء عن فحولة الشعراء» (٣).
ومعظم الشعر يتصف باتساق النظم ، ولا يخرج منه إلا ما وقع فيه عيب أو ضرورة.
الاتّفاق :
الاتّفاق : التوافق والتظاهر ، والوفاق الموافقة ، ووفق الشيء ما لاءمه ، وقد وافقه موافقة ووفاقا واتفق معه وتوافقا (٤).
والاتفاق : «هو أن يتفق للشاعر شيء لا يتفق عاجلا كثيرا» (٥) ، وقد سماه ابن منقذ وابن قيم الجوزية «الاتفاق والاطراد» ، وقد عرفه الأول بما تقدم وعرّفه الثاني بمثل ذلك التعريف (٦).
وسماه المصري والسيوطي والمدني «الاتفاق» وعرفوه بما يشبه التعريف السابق فقال المصري : «هو أن تتفق للشاعر واقعة تعلمه العمل في نفسها فان للسبق الى معاني الوقائع التي يشترك الناس في مشاهدتها أو سماعها فضلا لا يجحد كما اتفق لبعض شعراء مصر ، ويقال إنه الرضي بن أبي حصينة وقد أغزى الملك الناصر صلاح الدين حاجبه حسام الدين لؤلؤ الافرنج الذين قصدوا الحجاز من بحر القلزم ، فظفر الحاجب بهم فقال ابن أبي حصينة في تهنئته مخاطبا للافرنج :
عدوكم لؤلؤ والبحر مسكنه |
والدرّ في البحر لا يخشى من الغير |
ثم قال بعد أبيات مخاطبا الملك الناصر ـ رحمهالله ـ.
فامر حسامك أن يحظى ينحرهم |
فالدرّ مذ كان منسوب الى البحر (٧) |
ثم قال : «ومن الاتفاق ان يتفق للشاعر أسماء لممدوحه ولآبائه يمكنه أن يستخرج منها مدحا لذلك الممدوح ولو لم تتفق تلك الاسماء على ما هي عليه لما اتفق استخراج ذلك المدح كقول أبي نواس :
عبّاس عبّاس إذا احتدم الوغى |
والفضل فضل والربيع ربيع |
وقد وقع في هذا البيت مع لطيف الاتفاق مليح الازدواج في قوله : «عباس عباس» و «الفضل فضل» و «الربيع ربيع». ولأبي نواس من القسم الاول من الاتفاق ما لم يتفق مثله في مرثية يرثي بها خلفا الاحمر :
وكان مما مضى لنا خلفا |
وليس إذ بان منه من خلف |
__________________
(١) جواهر الالفاظ ص ٣.
(٢) الشبم ؛ البارد. الاراك والسلم ؛ من أنواع النبات الطيب. اللجين ـ بفتح اللام ـ الخبط وذلك ان ورق الاراك والسلم يخبط حتى يسقط ويجف ثم يدق حتى يتلجن أي يتلزج. الدرين ؛ حطام المرعى إذا تناثر وسقط على الارض.
اللبين ؛ المدر للبن. يعني ان النعم اذا رعت الاراك والسلم غزرت ألبانها (النهاية في غريب الحديث ج ٤ ص ٢٢٩).
(٣) قواعد الشعر ص ٥٩.
(٤) اللسان (وفق).
(٥) البديع في نقد الشعر ص ٨٧.
(٦) الفوائد ص ٢٤٣.
(٧) تحرير التحبير ص ٥٠٣.