«أن ترد آخر الكلام المطابق على أوله» (١). ثم قال الحموي : «فان لم يكن الكلام مطابقا فهو من ردّ الأعجاز على الصدور ومنه قول الأعشى :
لا يرقع الناس ما أوهوا وإن جهدوا |
طول الحياة ولا يوهون ما رقعوا |
التّرشيح :
الرشح : ندى العرق على الجسد ، والترشيح التربية والتهيئة للشيء ، ورشّح للأمر : ربّي له وأهّل ، ورشّح الغيث النبات : رباه ، ورشّحت الأرض البهمى : ربّتها وبلغت بها (٢).
قال المصري : «هو أن يؤتى بكلمة لا تصلح لضرب من المحاسن حتى يؤتى بلفظة تؤهلها لذلك» (٣). ومنه قوله تعالى : (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ)(٤) فإن لفظة (رَبِّكَ) رشحت لفظة (رَبِّهِ) لأن تكون تورية إذ يحتمل أن يراد بها الإله تعالى ، وأن يراد بها الملك. ولو وقع الاقتصار على قوله : (فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) دون قوله : (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) لم تدلّ لفظة (رَبِّهِ) إلا على الاله فحسب لكن لما تقدمت لفظة (رَبِّكَ) وهي لا تحتمل إلا الملك صلحت لفظة (رَبِّهِ) للمعنيين.
والترشيح يكون للتورية وللاستعارة وللمطابقة وغيرها ، وقد فرّق المصري بين الترشيح والاستعارة والتورية من ثلاثة أوجه :
الأول : أنّ من التورية ما لا يحتاج الى ترشيح ، وهي التورية المحضة.
الثاني : أنّ الترشيح لا يخص التورية دون بقية الأبواب بل يعم الاستعارة والطباق وغيرهما ، ففي قول المتنبي :
وخفوق قلب لو رأيت لهيبه |
يا جنّتي لظننت فيه جهنّما |
رشحت لفظة «يا جنتي» لفظة «جهنم» للمطابقة ، ولو قال مكانها «يا منيتي» لم يكن في البيت طباق.
الثالث : أنّ لفظة الترشيح في كلام المورّى غير لفظة التورية ، فإن التورية في قول علي ـ عليهالسلام ـ : «وهذا كان أبوه ينسج الشمال باليمين» في لفظة «الشمال» والترشيح في لفظة «اليمين».
وذكر الحموي والسيوطي والمدني ما ذكره المصري (٥) لأنّه من أوائل الذين حددوا هذا الفن ، ولذلك استندوا الى ما ذكره.
ومثال الترشيح للتورية قول التهامي :
واذا رجوت المستحيل فإنّما |
تبني الرجاء على شفير هار |
فذكر «الشفير» يرشح «الرجاء» للتورية برجاء البئر وهو ناحيتها ولو لا ذكره ما كان فيه تورية ولكان من رجوت بمعنى ضد اليأس فقط لقوله أولا : «واذا رجوت المستحيل». ومثال الترشيح للطباق بيت المتنبي : «وخفوق قلب ...».
ومثال الترشيح للاستخدام قول أبي العلاء في صفة الدرع :
تلك ماذيّة وما لذباب ال |
صّيف والسيف عندها من نصيب |
فان ذكر «السيف» رشح «الذباب» لاستخدامه بمعنى طرف السيف ، ولولاه لا نحصر في معنى الطائر المعروف.
ومثال الترشيح للاستعارة قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ
__________________
(١) خزانة ص ٧١.
(٢) اللسان (رشح).
(٣) تحرير ص ٢٧١ ، بديع القرآن ص ١٠٣.
(٤) يوسف ٤٢.
(٥) خزانة الأدب ص ٣٧٢ ، شرح عقود الجمان ص ١١٦ ، أنوار الربيع ج ٦ ص ١٧٢.