تِجارَتُهُمْ)(١) ، فإنّه استعار الاشتراء للاستبدال والاختيار ثم رشحه بما يلائم الاشتراء من الربح والتجارة فذكر الربح والتجارة يرشح حقوق المبالغة في التشبيه.
فالترشيح لا يخص فنا بعينه ولذلك قال المدني : «إنّ الترشيح لا يختص بنوع من البديع فمن زعم أنّه ضرب من التورية فلا معنى لجعله نوعا برأسه ، فقد توهّم» (٢).
التّرصيع :
رصع الشيء : عقده عقدا مثلثا متداخلا ، وإذا أخذت سيرا فعقدت فيه عقدا مثلثة فذلك الترصيع.
والترصيع : التركيب ، يقال : تاج مرصع بالجوهر وسيف مرصع أي محلّى بالرصائع وهي حلق يحلّى بها الواحدة رصيعة. ورصّع العقد بالجوهر : نظمه فيه وضمّ بعضه الى بعض (٣).
فالترصيع مأخوذ من ترصيع العقد وذاك أن يكون في أحد جانبي العقد من اللآلىء مثل ما في الجانب الآخر ، ولكن ابن شيث القرشي قال : «الترصيع وهو مأخوذ من رصيعة اللجام وهي العقدة التي تكون على صدغ الفرس من الجانبين ولا يجوز أن تكون احدى العقدتين معقودة والأخرى محلولة ولا أن تكون إحداهما حالية والأخرى عاطلة» (٤).
والترصيع من نعوت الوزن عند قدامة وقد عرّفه بقوله : «هو أن يتوخى فيه تصيير مقاطع الأجزاء في البيت على سجع أو شبيه به أو من جنس واحد في التصريف» (٥). وبقوله أيضا : «فالترصيع أن تكون الالفاظ متساوية البناء متفقة الانتهاء سليمة من عيب الاشتباه وشين التعسف والاستكراه يتوخى في كل جزئين منها متواليين أن يكون لهما جزءان متقابلان يوافقانهما في الوزن ويتفقان في مقاطع السجع من غير استكراه ولا تعسف» (٦).
وقال العسكري : «هو أن يكون حشو البيت مسجوعا» (٧) ، وذكر الباقلاني نوعا منه سماه «الترصيع مع التجنيس» (٨) كقول ابن المعتز :
ألم تجزع على الربع المحيل |
وأطلال وآثار محول |
وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ. وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ)(٩).
وقال الباقلاني : «ومما يقارب الترصيع ضرب يسمّى المضارعة» (١٠) ، كقول الخنساء :
حامي الحقيقة محمود الخليقة مه |
ديّ الطريقة ، نفّاع وضرّار |
|
جوّاب قاصية جزّار ناصية |
عقّاد ألوية للخيل جرّار |
وقال ابن رشيق : «واذا كان تقطيع الأجزاء مسجوعا أو شبيها بالمسجوع فذلك هو الترصيع عند قدامة» (١١). ثم قال : «وللقدماء من هذا النوع إلا أنهم لا يكثرون منه كراهة التكلف».
وقال ابن سنان : «وهو أن يعتمد تصيير مقاطع الأجزاء في البيت المنظوم أو الفصل من الكلام المنثور مسجوعة وكأن ذلك شبّه بترصيع الجوهر
__________________
(١) البقرة ١٦.
(٢) أنوار الربيع ج ٦ ص ١٦٣ وينظر الروض المريع ص ١٢٩ ، نفحات ص ١٠٦ ، شرح الكافية ص ١٦٤.
(٣) اللسان (رصع).
(٤) معالم الكتابة ص ٧١.
(٥) نقد الشعر ص ٣٨ ، وينظر المنزع البديع ص ٥٠٩.
(٦) جواهر الالفاظ ص ٣.
(٧) كتاب الصناعتين ص ٣٧٥.
(٨) اعجاز القرآن ص ١٤٥.
(٩) الاعراف ٢٠١ ـ ٢٠٢.
(١٠) اعجاز القرآن ص ١٤٦.
(١١) العمدة ج ٢ ص ٢٦.