فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ)(١) أي جازوه بما يستحق على طريق العدل إلا أنّه استعير للثاني لفظ الاعتداء لتأكيد الدلالة على المساواة في المقدار فجاء على مزاوجة الكلام لحسن البيان. ومن ذلك : (مُسْتَهْزِؤُنَ ، اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ)(٢) أي : يجازيهم على استهزائهم. ومنه :(وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ ، وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ)(٣) جازاهم على مكرهم فاستعير للجزاء على المكر اسم المكر لتحقيق الدلالة على أنّ وبال المكر راجع عليهم ومختص بهم.
ونقل الصنعاني كلام الرماني وأمثلته (٤) ، وتبعهما في ذلك ابن مالك الذي قال عن المزاوجة هي «أن تأتي في غير ردّ العجز على الصدر بمتماثلين في أصل المعنى والاشتقاق فحسب» (٥) كقول الشاعر :
ألا لا يجهلن أحد علينا |
فنجهل فوق جهل الجاهلينا |
والمزاوجة عند الرازي من أقسام النظم وذلك «أن يزاوج بين معنيين في الشرط والجزاء» (٦) ، أي أنّها الازدواج والتزاوج وهو ما ذهب اليه عبد القاهر من قبل. والى ذلك ذهب السكاكي والقزويني وشراح التلخيص ، وأدخلوا المزاوجة في المحسنات المعنوية (٧).
التّسبيغ :
يقال : شيء سابغ أي كامل واف ، وسبغ الشيء يسبغ سبوغا : طال الى الأرض واتسع ، وسبغت الدرع وكل شيء : طال الى الارض فهو سابغ (٨).
قال المصري : «هذا الباب سمّاه الأجدابي التسبيغ وفسّره بأن قال : «هو أن يعيد لفظ القافية في أول البيت الذي يليها ، والتسبيغ زيادة في الطول ، ومنه قولهم : «درع سابغة» إذا كانت طويلة الأذيال. وهذه اللفظة في اصطلاح العروضيين عبارة عن زيادة حرف ساكن على السبب الخفيف في آخر الجزء ، وعلى هذا لا تكون هذه التسمية لائقة بهذا المسمى فرأيت أن اسمي هذا الباب تشابه الاطراف لأنّ الأبيات فيه تتشابه أطرافها» (٩). وقال : «ولم أظفر من الكتاب العزيز في هذا الباب إلا بقوله : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ ، الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ ، الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ)(١٠) فالحظ تشابه أطراف هذه الجمل لتقدر هذا النظم قدره» (١١).
ومنه قول النابغة الذبياني :
لعمري وما عمري عليّ بهيّن |
لقد نطقت بطلا عليّ الأقارع |
|
أقارع عوف لا أحاول غيرها |
وجوه قرود تبتغي من تخادع |
وقول ليلى الأخيلية تمدح الحجاج :
إذا نزل الحجّاج أرضا مريضة |
تتبّع أقصى دائها فشفاها |
|
شفاها من الداء العضال الذي بها |
غلام إذا هزّ القناة سقاها |
__________________
(١) البقرة ١٩٤.
(٢) البقرة ١٤ ـ ١٥.
(٣) آل عمران ٥٤.
(٤) الرسالة العسجدية ص ١٢٧.
(٥) المصباح ص ٨٤.
(٦) نهاية الايجاز ص ١١١.
(٧) مفتاح العلوم ص ٢٠٠ ، الايضاح ص ٣٥٠ ، التلخيص ص ٣٥٨ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٣١٦ ، المطول ص ٤٠٣ ، الاطول ج ٢ ص ١٩٢ ، خزانة ص ٤٣٥ ، معترك ج ١ ص ٤١١ ، الاتقان ج ٢ ص ٩٤ ، شرح عقود الجمان ص ١١١ ، حلية اللب ص ١٤ ، أنوار الربيع ج ٦ ص ١٠١.
(٨) اللسان (سبغ).
(٩) تحرير التحبير ص ٥٢٠ ، بديع القرآن ص ٢٢٩.
(١٠) النور ٣٥.
(١١) بديع القرآن ص ٢٣٠.